بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ قال في المحرر: إذا أردت أن تقرأ وشرعت، فأوقع الماضي موقع المستقبل لثبوته.
ومعنى الاستعاذة: الاستجارة والتحيز إلى شيء على معنى الامتناع به من المكروه.
فمعنى «أعوذ»: ألوذ وألتجئ وأعتصم بك يا «الله».
«وأما الشيطان»: فهو مشتق من «فيعال»؛ من شطن إذا بعد؛ لأنَّه بعد عن الخير ورحمة الله.
«أما الرَّجيم»؛ فهو فعيل بمعنى مفعول؛ كقتيل وجريح ونحوه، ومعناه أنه رجيم باللعنة والمقت وعدم الرَّحمة.
وقوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: الباء في ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ متعلقة عند نحاة البصرة باسم تقديره ابتداءُ مستقر أو ثابت ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾.
وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره ابتدأت ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾.
فـ ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ في موضع رفع على مذهب البصريين، وفي موضع نصب على مذهب الكوفيين.
واختار كثير من المتأخرين كونه فعلاً خاصًا متأخرًا، أما كونه فعلاً، فلأنَّ الأصل في العمل للأفعال، وأما الأسماء فلا تعمل إلاَّ بشرط.
وأما كونه خاصًا فلأنَّ كل مبتدئ بالبسملة في أمر يضمر ما جعل البسملة مبدأ له.
فمثلاً: الذي يريد أن يقرأ يضمر «أقرأ» أي: بسم الله أقرأ، والذي يريد أن يأكل يضمر «آكل» أي بسم الله آكل وهكذا، فهذا معنى كونه خاصًا؛ لأن تقديره ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ أبتديء -عامٌّ لا يدل على تعيين المقصود.
وأما كونه متأخرًا فلدلالته على الاختصاص، وأدخل في التعظيم وأوفق للوجود، ولأنَّ أهم ما يبدأ به ذكر الله تعالى.
فإن قال قائل: ما معنى متأخر؟
الجواب: أنَّك تضمر الفعل متأخرًا؛ فلا تقول: أقرأ بسم الله؛ ولكن تقول: «بسم الله أقرأ».
فإن قال قائل: ما هو الأرجح في هذه المسألة؟
فالجواب: الأرجح عندي أنها متعلقة بفعل لما تقدم.
وحذف العامل له فوائد:
منها: أنه موطن لا ينبغي أن يتقدم فيه غير ذكر الله.


الصفحة التالية
Icon