فصل
وقوله تعى لى ﴿ كتاب أحكمت آياته ثم فصلت ﴾ فقد فصله بعد إحكامه بخلاف من تكلم لم يحكمه وقد يكون في الكلام المحكم ما لم يبينه لغيره فهو سبحانه أحكم كتابه ثم فصله وبينه لعباده كما قال ﴿ وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ﴾ وقال ﴿ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون ﴾ فهو سبحانه بينه وأنزله على عباده بعلم ليس كمن يتكلم بلا علم
وقد ذكر براهين التوحيد والنبوة قبل ذكر الفرق بين أهل الحق والباطل فقال ﴿ أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ﴾ إلى قوله ﴿ فهل أنتم مسلمون ﴾ فلما تحداهم بالإتيان بعشر سور مثله مفتريات هم وجميع من يستطيعون من دونه كان في مضمون تحديه أن هذا لا يقدر أحد على الإتيان بمثله من دون الله كما قال ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾
وحينئذ فعلم أن ذلك من خصائص من أرسله الله وما كان مختصا بنوع فهو دليل عليه فإنه مستلزم له وكل ملزوم دليل على لازمه كآيات الأنبياء كلها فإنها مختصة بجنسهم
وهذا القرآن مختص بجنسهم ومن بين الجنس خاتمهم لا يمكن أن يأتي به غيره وكان ذلك برهانا بينا على أن الله أنزله وأنه نزل بعلم الله هو الذي أخبره بخبره وأمر بما أمر به كما قال ﴿ لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه ﴾ الآية وثبوت الرسالة ملزوم لثبوت التوحيد وأنه لا إله إلا الله من جهة أن الرسول أخبر بذلك ومن جهة أنه لا يقدر أحد على الإتيان بهذا القرآن إلا الله فإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله إلى غير ذلك من وجوه البيان فيه كما قد بسط ونبه عليه في غير هذا الموضع ولا سيما هذه السورة فإن فيها
__________