المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٥٨
باب القول في الاستعاذة
قال اللّه عز وجل : فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النحل : ٩٨].
معناه : إذا أردت أن تقرأ وشرعت فأوقع الماضي موقع المستقبل لثبوته. وأجمع العلماء على أن قول القارئ :«أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم» ليس بآية من كتاب اللّه. وأجمعوا على استحسان ذلك والتزامه في كل قراءة في غير صلاة، واختلفوا في التعوذ في الصلاة، فابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وقوم، يتعوذون في الصلاة في كل ركعة، ويمتثلون أمر اللّه بالاستعاذة على العموم في كل قراءة، وأبو حنيفة، والشافعي، يتعوذان في الركعة الأولى من الصلاة، ويريان أن قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة. ومالك رحمه اللّه لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة، ويراه في قيام رمضان. ولم يحفظ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه تعوذ في صلاة.
وحكى الزهري عن الحسن أنه قال :«نزلت الآية في الصلاة، وندبنا إلى الاستعاذة في غير الصلاة وليس بفرض».
قال غيره :«كانت فرضا على النبي صلى اللّه عليه وسلم وحده، ثم تأسينا به».
وأما لفظ الاستعاذة فالذي عليه جمهور الناس هو لفظ كتاب اللّه تعالى «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم».
وروي عن ابن عباس أنه قال :«أول ما نزل جبريل على محمد صلى اللّه عليه وسلم قال له : قل يا محمد : أستعيذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قال : قل : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم».
وروى سليمان بن سالم عن ابن القاسم رحمه اللّه : أن الاستعاذة «أعوذ باللّه العظيم من الشيطان الرجيم إن اللّه هو السميع العليم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم».
وأما المقرءون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم اللّه تعالى وفي الجهة الأخرى كقول بعضهم :«أعوذ باللّه المجيد من الشيطان المريد». ونحو هذا مما لا أقول فيه نعمت البدعة ولا أقول إنه لا يجوز.
ومعنى الاستعاذة : الاستجارة، والتحيز إلى الشيء على معنى الامتناع به من المكروه، والكلام على المكتوبة يجيء في بسم اللّه فذلك الموضع أولى به.