المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٥٣٢
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سورة النّصروهي مدنية بإجماع.
قوله عز وجل :
[سورة النصر (١١٠) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)قرأ ابن عباس : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وسأل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جمعا من الصحابة الأشياخ وبالحضرة لابن عباس عن معنى هذه السورة وسببها، فقالوا كلهم بمقتضى ظاهر ألفاظها، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر عند الفتوح التي فتحت عليه مكة وغيرها بأن يسبح ربه ويحمده ويستغفره، فقال لابن عباس : ما تقول أنت يا عبد اللّه؟ فقال : هو أجل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أعلمه اللّه بقربه إذا رأى هذه الأشياء، فقال عمر ما أعلم منها إلا ما ذكرت، وهذا المنزع الذي ذكره ابن عباس ذكره ابن مسعود وأصحابه ومجاهد وقتادة والضحاك، وروت معناه عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وأنه عليه السلام لما فتحت مكة وأسلمت العرب جعل يكثر أن يقول «سبحان اللّه وبحمده، اللهم إني أستغفرك» يتأول القرآن في هذه السورة، وقال لها مرة :«ما أراه إلا حضور أجلي»، وتأوله عمر والعباس بحضرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فصدقهما. و«النصر» الذي رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
هو غلبته لقريش ولهوازن وغير ذلك، وَالْفَتْحُ : هو فتح مكة والطائف ومدن الحجاز وكثير من اليمن ودخول الناس في الإسلام أَفْواجاً، كان بين فتح مكة إلى موته صلى اللّه عليه وسلم، قال أبو عمر بن عبد البر النمري رحمه اللّه في كتاب الاستيعاب في الصحابة في باب أبي خراش الهذلي : لم يمت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفي العرب رجل كافر، بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين والطائف، منهم من قدم ومنهم من قدم وفده، ثم كان بعده من الردة ما كان ورجعوا كلهم إلى الدين.
قال القاضي أبو محمد : والمراد واللّه أعلم عرب عبدة الأوثان، وأما نصارى بني تغلب فما أراهم أسلموا قط في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لكن أعطوا الجزية، والأفواج : الجماعة إثر الجماعة، كما قال تعالى : أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ [الملك : ٨] وقال مقاتل : المراد بالناس أهل اليمن وفد منهم سبعمائة رجل، وقاله عكرمة، وقال الجمهور : المراد جميع وفود العرب لأنهم قالوا : إذا فتح الحرم لمحمد عليه