بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿حم (١) وَالْكتاب الْمُبين (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون (٣) وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب لدينا لعَلي حَكِيم (٤) أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحا أَن كُنْتُم قوما مسرفين (٥) ﴾
تَفْسِير سُورَة الزخرف
وَهِي مَكِّيَّة
﴿حم﴾ قد ذكرنَا معنى حم.
وَقَوله: ﴿وَالْكتاب الْمُبين﴾ هُوَ الْقُرْآن، وَسَماهُ مُبينًا؛ لِأَنَّهُ أبان فِيهِ الْهدى من الضَّلَالَة، وَالْخَيْر من الشَّرّ، وَأَبَان فِيهِ جَمِيع مَا يُؤْتى وَجَمِيع مَا يتقى. وَمعنى الْآيَة هُوَ الْقسم، فَكَأَنَّهُ أقسم بحم وَبِالْقُرْآنِ، وَجَوَاب الْقسم قَوْله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا﴾ وَكَذَلِكَ قَوْله: ﴿وَإنَّهُ فِي ام الْكتاب﴾ جَوَاب الْقسم أَيْضا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ﴾ قَالَ السدى: أَنزَلْنَاهُ وَقَالَ مُجَاهِد: قُلْنَاهُ. وَعَن بَعضهم: بَيناهُ، قَالَه سُفْيَان الثَّوْريّ. وَاسْتدلَّ بِهَذَا من زعم أَن الْقُرْآن مَخْلُوق، وَذكر أَن الْجعل بِمَعْنى الْخلق بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذِي جعل لكم الأَرْض مهدا﴾ أَي: خلق لكم، وَعِنْدنَا هَذَا التَّعَلُّق بَاطِل، وَالْقُرْآن كَلَام الله غير ومخلوق، وَعَلِيهِ إِجْمَاع أهل السّنة، وَزَعَمُوا أَن من قَالَ: إِنَّه مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر؛ لِأَن فِيهِ نفي كَلَام الله تَعَالَى، وَقد بَينا وَجه الْآيَة عِنْد السّلف وَمن يعْتَمد فِي تَفْسِيره.
وَقد ورد الْجعل فِي الْقُرْآن لَا بِمَعْنى الْخلق، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا﴾ وَمَعْنَاهُ: أَنهم وصفوهم بالأنوثة وَلَيْسَ الْمَعْنى أَنهم خلقوهم.
وَقَوله: ﴿قُرْآنًا عَرَبيا﴾ أَي: بِلِسَان الْعَرَب.
وَقَوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تعقلون﴾ أَي: تعقلون مَا فِيهِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإنَّهُ فِي أم لكتاب﴾ أَي: الْقُرْآن فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ. وَفِي بعض


الصفحة التالية
Icon