وفي ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾ سجدتين، وهذا نص أن المراد سجود التلاوة، ويدل للأوّل قوله تعالى: ﴿أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى﴾ إلى قوله تعالى: ﴿كلا لا تطعه واسجد﴾ أي: ودم على سجودك. قال الزمخشري: يريد الصلاة لأنه لا يرى سجود التلاوة في المفصل والحديث عليه. ﴿واقترب﴾ أي: وتقرّب إلى ربك بطاعته وبالدعاء إليه. قال ﷺ «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن ـ أي: فحقيق ـ أن يستجاب لكم». «وكان ﷺ يكثر في سجوده من البكاء والتضرّع حتى قالت عائشة رضي الله عنها: قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر فما هذا البكاء في السجود؟ وما هذا الجهد الشديد؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً». وفي رواية: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء». وقرأ ليطغى، واستغنى، إذا صلى، على الهدى، بالتقوى، وتولى حمزة والكسائي جميع ذلك بالإمالة محضة، وورش وأبو عمرو بين بين والفتح عن ورش قليل، والباقون بالفتح. وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن رسول الله ﷺ «من قرأ سورة العلق أعطي من الأجر كأنما قرأ المفصل كله» حديث موضوع.
سورة القدر مدنية
في قول أكثر المفسرين، وحكى الماوردي عكسه، وذكر الواحدي أنها أوّل سورة نزلت بالمدينة وهي خمس آيات وثلاثون كلمة ومائة واثنتا عشر حرفاً.
﴿بسم الله﴾ الملك الأعظم الذي لا يعبد إلا إياه ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ بجوده جميع خلقه أقصاه وأدناه ﴿الرحيم﴾ الذي قرّب أهل طاعته وأبعد من عداهم وأشقاه.
(١٤/٢٠)
وقوله تعالى: ﴿إنا أنزلناه﴾ أي: بما لنا من العظمة، أي: القرآن فيه تعظيم له من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه أسند إنزاله إليه وجعله مختصاً به دون غيره.
والثاني: أنه جاء بضميره دون اسمه الظاهر شهادة له بالنباهة والاستغناء عن التنبيه عليه.
والثالث: الرفع من مقدار الوقت الذي أنزل فيه، وهو قوله تعالى: ﴿في ليلة القدر﴾.