نفي الشعر عنه - ﷺ -
ونحن نتمُّ القول فيما بدأ به الجاحظ آنفاً، من تنزيه النبي - ﷺ - عن الشعر، وأنه لا ينبغي له،
فإن الخبر في ذلك مكشوف متظاهر والروايات صحيحة متواترة، وقد قال الله تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩).
فكان عليه الصلاة والسلام لا يتهدَّى إلى إقامة
وزن الشعر إذا هو تمثل بيتاً منه بل يكسره ويتمثل البيت مكسوراً!
مع أن ذلك لا يعرض ألبتة لأحد من الناس في كل حالاته، عربياً كان أو أعجمياً، فقد يتعتع المرء في بيت الشعر ينساه أو ينسى
الكلمة منه؛ فلا يقيم وزنه لهذه العلة، ولكنه يمر في أبيات كثيرة مما يحفظه أو مما يحسن قراءته؛
فما وزن الشعر إلا نسق ألفاظه، فمن أداها على وجهها فقد أقامه على وجهه، ومن قرأ صحيحاً فقد أنشد صحيحاً.
وهذا خلاف المأثور عنه - ﷺ -، فإنه على كونه أفصح العرب إجماعاً، لم يكن ينشد بيتاً تاماً
على وزنه، إنما كان ينشد الصدر أو العجز فحسب؛ فإن ألقى البيت كاملاً لم يصحح وزنه بحال من الأحوال، وأخرجه عن الشعر فلا يَلتئم على لسانه.
أنشد مرة صدر البيت المشهور للبيد، وهو قوله:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
فصححه، ولكنه سكت عن عجزه (وكل نعيم لا مَحالة زائل).
وأنشد البيت السائر لطرفة على هذه الصورة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً | ويأتيك (من لم تزود) بالأخبار |
وأنشد بيت العباس بن مرداس فقال:
أتجعل نهبي نهب العبيد | بين (الأقرع) وعيينة... |
فأعادها عليه الصلاة والسلام: (بين الأقرع وعيينة)
ولم يشقم له الوزن.
ولم تجر على لسانه - ﷺ - مما صح وزنه إلا ضربان من الرجز المنهوك والمشطور أما الأول