جائز، فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه، وذلك أن المأمور به إنما حذف لأن فسقوا يدل عليه، وهو كلام مستفيض، يقال : أمرته فقام ؛ وأمرته فقرأ لا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام أو قراءة، ولو ذهبت تقدّر غيره فقد رمت من مخاطبك علم الغيب، ولا يلزم على هذا قولهم : أمرته فعصاني، أو فلم يمتثل أمري. لأنّ ذلك مناف للأمر مناقض له، ولا يكون ما يناقض الأمر مأموراً به، فكان محالاً أن يقصد أصلاً حتى يجعل دالاً على المأمور به، فكان المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوي ؛ لأن من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوي لأمره مأموراً به، وكأنه يقول : كان مني أمر فلم تكن منه طاعة، كما أن من يقول : فلان يعطي ويمنع، ويأمر وينهى، غير قاصد إلى مفعول. فإن قلت : هلا كان ثبوت العلم بأن الله لا يأمر بالفحشاء وإنما يأمر بالقصد والخير، دليلاً على أن المراد أمرناهم بالخير ففسقوا ؟ قلت : لا يصحّ ذلك ؛ لأن قوله ﴿ فَفَسَقُواْ ﴾ يدافعه، فكأنك أظهرت شيئاً وأنت تدعي إضمار خلافه، فكان صرف الأمر إلى المجاز هو الوجه، ونظير ﴿ أَمْرٍ ﴾ شاء : في أن مفعوله استفاض فيه الحذف، لدلالة ما بعده عليه، تقول : لو شاء لأحسن إليك، ولو شاء لأساء إليك. تريد : لو شاء الإحسان ولو شاء الإساءة، فلو ذهبت تضمر خلاف ما أظهرت وقلت : قد دلت حال من أسندت إليه المشيئة أنه من أهل الإحسان أو من أهل الإساءة، فاترك الظاهر المنطوق به وأضمر ما دلت عليه حال صاحب المشيئة لم تكن على سداد. وقد فسر بعضهم ﴿ أَمْرُنَا ﴾ بكثرنا، وجعل أمرته فأمر من باب فعلته ففعل. كثبرته فثبر. وفي الحديث :
( ٦٠٤ ) ( خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة ) أي كثيرة النتاج وروي :
( ٦٠٥ ) أن رجلاً من المشركين قال لرسول الله ﷺ : إني أرى أمرك هذا حقيراً فقال ﷺ : إنه سيأمر. أي سيكثر وسيكبر.
! ٧ < ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا ﴾ > ٧ { < الإسراء :( ١٧ ) وكم أهلكنا من..... > >