كقولك : جاءنا رجل، فكان من فعل الرجل كذا، والمعنى : ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إليّ. والصحيح أن يكون هذا التعريف تعريضاً باللعنة على متهمي مريم عليها السلام، وأعدائها من اليهود. وتحقيقه أن اللام للجنس، فإذا قال : وجنس السلام عليّ خاصة فقد عرض بأن ضدّه عليكم. ونظيره قوله تعالى :﴿ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ ( طه : ٤٧ ) يعني أنّ العذاب على من كذب وتولى، وكان المقام مقام مناكرة وعناد، فهو مئنة لنحو هذا من التعريض.
! ٧ < ﴿ ذالِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِى فِيهِ يَمْتُرُونَ ﴾ > ٧ !
< < مريم :( ٣٤ ) ذلك عيسى ابن..... > > قرأ عاصم وابن عامر ﴿ قَوْلَ الْحَقّ ﴾ بالنصب. وعن ابن مسعود ( قالُ الحق ) وقال الله. وعن الحسن :( قُولُ الحق )، بضم القاف، وكذلك في الأنعام ﴿ قَوْلُهُ الْحَقُّ ﴾ ( الأنعام : ٧٣ ) والقول والقال والقول بمعنى واحد، كالرَّهْبِ والرَّهَبِ والرُّهْبِ. وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر، أو بدل، أو خبر مبتدأ محذوف. وأما انتصابه فعلى المدح إن فسر بكلمة الله، وعلى أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة إن أريد قول الثبات والصدق، كقولك : هو عبد الله حقاً. والحق لا الباطل، وإنما قيل لعيسى ( كلمة الله ) و ( قول الحق ) لأنه لم يولد إلا بكلمة الله وحدها، وهي قوله ( كن ) من غير واسطة أب، تسمية للمسبب باسم السبب، كما سمى العشب بالسماء، والشحم بالندا. ويحتمل إذا أريد بقول الحق عيسى، أن يكون الحق اسم الله عز وجل، وأن يكون بمعنى الثبات والصدق، ويعضده قوله :﴿ الَّذِى فِيهِ يَمْتُرُونَ ﴾ أي أمره حق يقين وهم فيه شاكون ﴿ يَمْتَرُونَ ﴾ يشكون. والمرية : الشك. أو يتمارون : يتلاحقون، قالت اليهود : ساحر كذاب، وقالت النصارى : ابن الله وثالث ثلاثة. وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه :( تمترون )، على الخطاب. وعن أبيّ بن كعب :( قول الحق الذي كان الناس فيه يتمرون ).
! ٧ < ﴿ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ > ٧ !
< < مريم :( ٣٥ ) ما كان لله..... > > كذب النصارى وبكتهم بالدلالة على انتفاء الولد عنه، وأنه مما لا يتأتى ولا يتصور في العقول وليس بمقدور عليه، إذ من المحال غير المستقيم أن تكون ذاته كذات من ينشأ منه الولد، ثم بيّن إحالة ذلك بأن من إذا أراد شيئاً من الأجناس كلها أوجده بكن، كان منزها من شبه الحيوان الوالد. والقول ههنا مجاز، ومعناه : أنّ إرادته للشيء يتبعها كونه