الحكم التي تحار الفطن فيها، من غير حذو على مثال واقتداء بمؤلف. ولكن اختراعاً وإبداعاً من عند قادر جلت قدرته ودقت حكمته. وأما الثانية فقد تقدمت نظيرتها وعادت لها كالمثال المحتذى عليه، وليس فيها إلا تأليف الأجزاء الموجودة الباقية وتركيبها، وردها إلى ما كانت عليه مجموعة بعد التفكيك والتفريق. وقوله تعالى :﴿ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ﴾ دليل على هذا المعنى، وكذلك قوله تعالى :﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ ( الروم : ٢٧ ) على أن رب العزة سواء عليه النشأتان، لا يتفاوت في قدرته الصعب والسهل، ولا يحتاج إلى احتذاء على مثال ؛ ولا استعانة بحكيم، ولا نظر في مقياس، ولكن يواجه جاحد البعث بذلك دفعاً في بحر معاندته، وكشفاً عن صفحة جهله. القراء كلهم على ﴿ لاَ يَذْكُرُونَ ﴾ بالتشديد إلا نافعاً وابن عامر وعاصما رضي الله عنهم، فقد خففوا. وفي حرف أبيّ ( يتذكر ) ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه.
! ٧ < ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَانِ عِتِيّاً * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً ﴾ > ٧ !
< < مريم :( ٦٨ ) فوربك لنحشرنهم والشياطين..... > > في إقسام الله تعالى باسمه تقدست أسماؤه مضافاً إلى رسول الله ﷺ : تفخيم لشأن رسول الله ورفع منه، كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله تعالى :﴿ فَوَرَبّ السَّمَاء وَالاْرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ ( الذاريات : ٢٣ ) والواو في ﴿ وَالشَّيَاطِينَ ﴾ يجوز أن تكون للعطف، وبمعنى مع، وهي بمعنى ( مع ) أوقع. والمعنى : أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم، يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة. فإن قلت : هذا إذا أريد بالإنسان الكفرة خاصة، فإن أريد الأناسي على العموم فكيف يستقيم حشرهم مع الشياطين ؟ قلت : إذا حشر جميع الناس حشراً واحداً وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين. فقد حشروا مع الشياطين كم حشروا الكفرة. فإن قلت : هلا عزل السعداء عن الأشقياء في الحشر كما عزلوا عنهم في الجزاء ؟ قلت : لم يفرّق بينهم وبينهم في المحشر، وأحضروا حيث تجاثوا حول جهنم، وأوردوا معهم النار ليشاهد السعداء الأحوال التي نجاهم الله منها