إلا ركبه، فوصف له فقال :( إن صلاته ستنهاه ) فلم يلبث أن تاب. وعلى كل حال إنّ المراعي للصلاة لا بدّ أن يكون أبعد من الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها. وأيضاً فكم من مصلين تنهاهم الصلاة عن الفحشاء والمنكر، واللفظ لا يقتضي أن لا يخرج واحد من المصلين عن قضيتها، كما تقول : إنّ زيداً ينهى عن المنكر فليس غرضك أنه ينهى عن جميع المناكير، وإنما تريد أنّ هذه الخصلة موجودة فيه وحاصلة منه من غير اقتضاء للعموم ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ يريد : وللصلاة أكبر من غيرها من الطاعات، وسماها بذكر الله كما قال :﴿ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ ( الجمعة : ٩ ) وإنما قال : ولذكر الله : ليستقلّ بالتعليل، كأنه قال : وللصلاة أكبر، لأنها ذكر الله. أو ولذكر الله عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما أكبر، فكان أولى بأن ينهى من اللطف الذي في الصلاة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ من الخير والطاعة، فيثيبكم أحسن الثواب.
! ٧ < ﴿ وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُواْ ءَامَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَاهُنَا وَإِلَاهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ > ٧ !
< < العنكبوت :( ٤٦ ) ولا تجادلوا أهل..... > > ﴿ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ بالخصلة التي هي أحسن : وهي مقابلة الخشونة باللين، والغضب بالكظم. والسورة بالأناة، كما قال :﴿ ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ ( المؤمنون : ٩٦ )، ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ فأفرطوا في الاعتداء والعناد ولم يقبلوا النصح ولم ينفع فيهم الرفق. فاستعملوا معهم الغلظة، وقيل : إلا الذين آذوا رسول الله ﷺ : وقيل إلا الذين أثبتوا الولد والشريك وقالوا : يد الله مغلولة. وقيل : معناه ولا تجادلوا الداخلين في الذمّة المؤدّين للجزية إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمّة ومنعوا الجزية، فإن أولئك مجادلتهم بالسيف. وعن قتادة : الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاْخِرِ ﴾ ( التوبة : ٢٩ ) ولا مجادلة أشد من السيف : وقوله :﴿ وَقُولُواْ ءامَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا ﴾ من جنس المجادلة بالتي هي أحسن. وعن النبي ﷺ :
( ٨٣٠ ) ( ما حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان باطلاً لم تصدّقوهم، وإن كان حقاً لم تكذبوهم ).