الإجابة
الحمد لله
أولا :
ينبغي العلم بأن ما يفعله الناس في العزاء من الاجتماع ، وإقامة السرادقات وإحضار القراء من البدع المحدثة التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، قال بذلك جماعة من أهل العلم .
سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى "مجموع فتاوى ابن باز" (9/318) :
"س: ما حكم العادات في العزاء، من الولائم وقراءة القرآن والأربعينات والسنوات وما شاكل ذلك؟
هذه العادات لا أصل لها في الشرع المطهر ولا أساس لها بل هي من البدع ومن أمر الجاهلية فإقامة وليمة إذا مات الميت يدعو إليها الجيران والأقارب وغيرهم لأجل العزاء بدعة لا تجوز، وهكذا إقامة هذه الأمور كل أسبوع أو على رأس السنة كلها من البدع الجاهلية وإنما المشروع لأهل الميت الصبر والاحتساب والقول كما قال الصابرون: إنا لله وإنا إليه راجعون " انتهى . وينظر جواب السؤال رقم : (112143) .
ثانيا :
وأما ما يفعله بعض القراء من الاقتصار على آيات الرحمة دون آيات العذاب بقصد البشرى : فهو مخالف لسياق الآيات في القرآن الكريم ، ومخالف للحكمة التي أرادها الله عز وجل من اقتران الوعد بالوعيد, وذكر الجنة والنار. وقد قال الله تبارك وتعالى في وصف كتابه اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ الزمر/23 .
قال ابن كثير رحمه الله في "تفسير القران العظيم" (7/ 74 ): " وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وُيرْوى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ( مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ) أَنَّ سِيَاقَاتِ الْقُرْآنِ تَارَةً تكونُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، فَهَذَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ، وَتَارَةً تكونُ بِذِكْرِ الشَّيْءِ وَضِدِّهِ، كَذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ الْكَافِرِينَ، وَكَصِفَةِ الْجَنَّةِ ثُمَّ صِفَةِ النَّارِ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، فَهَذَا مِنَ الْمَثَانِي، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ( إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ )، وَكَقَوْلِهِ( كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ )إِلَى أَنْ قَالَ: ( كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ) ، ( هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ) ، إِلَى أَنْ قَالَ: ( هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ) ، وَنَحْوِ هَذَا مِنَ السِّيَاقَاتِ ؛ فَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْمَثَانِي، أَيْ: فِي مَعْنَيَيْنِ اثْنَيْنِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ السِّيَاقُ كُلُّهُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَهُوَ الْمُتَشَابِهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: ( مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ )، ذَاكَ مَعْنًى آخَرُ" انتهى .
وكذلك لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم اجتزاء الآيات بهذه الطريقة ، بل كان يقرأ السورة كاملة غالبا في الصلاة ونحوها .
قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله :
"وإني لأعجب من تكرير بعض القراء صدر سورة يوسف، بخلاف سورة النور فلا يقرؤونها وقد قال بعض السلف: ما حصلناه في سورة يوسف اتفقناه في سورة النور.
والعجب الثاني : قراءة صدر سورة مريم دون تكميل الموضوع الذي سيقت له من بيان حقيقة عيسى ، ونفي الولد ، والأمر بعبادة الله ، واختلاف الأحزاب في عيسى ... الخ.
وبعض يخص السور أو الآيات ببعض المساجد .
وبعض يقرأ آيات الرحمة دون غيرها، وهكذا بعض لا يقرأ الآيات التي تذم بعض الأشخاص إذا كان من بلده " انتهى من "فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم" هامش (10/36 ) .
ثالثا :
لا شك أن الأموات فيهم الصالحون والفساق , ويخشى من تعمد البشرى ، وسياق الآيات على أنه في مثل حال هذا الميت : يخشى أن يكون في ذلك نوع من التألي على الله سبحانه , أو الكذب بمخالفة ظاهر الحال , كأن يكون الميت فاسقا ، ظاهر الفسق ، والناس يقرؤون : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) القمر/54-55
بل حتى من كان ظاهر العدالة والصلاح ، يوكل أمره إلى الله ، ولا يزكى على الله أحد ، ولا يقطع على غيب الله بشيء .
فعَنْ أُمِّ العَلاَءِ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ، بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى، حِينَ اقْتَرَعَتْ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى المُهَاجِرِينَ، فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ .
فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ !!
قَالَ: وَمَا يُدْرِيكِ قُلْتُ: لاَ أَدْرِي وَاللَّهِ، قَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي - وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ - مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ .
قَالَتْ أُمُّ العَلاَءِ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ .
قَالَتْ: وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: (ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ) رواه البخاري (7018 ) .
قال البدر العيني رجمه الله في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (8/ 197) :
" إِنَّمَا أنكر عَلَيْهَا الْقطع بِأَن الله أكْرمه، وَذَلِكَ مغيب عَنْهَا، بِخِلَاف الشَّهَادَة للْمَيت بأفعاله الجميلة الَّتِي كَانَ متلبسا بهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " انتهى .
والله أعلم .