الإجابة
الحمد لله
أولاً:
قراءة كتاب الله تعالى من العبادات الجليلة في الإسلام ، وكيف لا تكون كذلك
والمقروء هو كلام الله تعالى ؟! ومع هذا الشرف الذي يحصل لقارئ القرآن فقد وعد الله
تعالى القارئ بالثواب الجزيل في الدنيا والآخرة ، ومن ذلك أنه يكون له هدى وشفاء ،
وأن له بكل حرف عشر حسنات ، وأن القرآن يكون له شفيعاً يوم القيامة ، وغير ذلك من
الثواب والأجور .
وانظر جواب السؤال رقم ( 1410 )
.
ولهذا رأينا الصحابة الأجلاء والتابعين الفضلاء ومن تبعهم من سلف هذه الأمة يحرصون
على قراءة كتاب ربهم تبارك تعالى ، ويجعلون لأنفسهم وِرداً منه كل يوم .
ومع حرصهم على قراءة كتاب ربهم فقد التزموا القدْر الذي لا يتجاوزون به الشرع ، ولا
يقعون بسببه في مخالفة للهدي النبوي ، ولذا كان الأكثر على ختم القرآن كل سبعة أيام
، ومن وجد قوة فلا يختم في أقل من ثلاث ، إلا في أحوال معينة يأتي ذِكرها .
وقد التزم أكثر السلف الختم على سبع اتباعاً لوصية النبي صلى الله عليه وسلم لعبد
الله بن عمرو بن العاص .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ ) قُلْتُ : إِنِّي أَجِدُ
قُوَّةً ... حَتَّى قَالَ ( فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ) .
رواه البخاري ( 4767 ) ومسلم ( 1159 ) .
ولم يختموا في أقل من ثلاث لتنفير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ
مِنْ ثَلَاثٍ ) .
رواه الترمذي ( 2949 ) وأبو داود ( 1390 ) وابن ماجه ( 1347 ) وصححه الألباني في "
صحيح ابن ماجه " .
وهو الذي فهمه الصحابة الأجلاء من الهدي النبوي ، وتبعهم على ذلك أئمة علم وهدى .
1. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " اقرؤوا القرآن في سبع ، ولا تقرؤوه في أقل
من ثلاث " .
رواه سعيد بن منصور في " سننه " بإسناد صحيح كما قاله الحافظ ابن حجر في " فتح
الباري " ( 9 / 78 ) .
2. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث .
رواه أبو عبَيد في " فضائل القرآن " ( ص 89 ) وصححه ابن كثير في " فضائل القرآن "
له ( ص 254 ) .
3. قال ابن كثير – رحمه الله - :
وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقلِّ من ثلاثٍ ، كما هو مذهبُ أبي عبيد
، وإسحاق بن راهويه ، وغيرهما من الخلف أيضاً .
" فضائل القرآن " ( ص 254 ) .
ومع عدم فقه من قرأ في أقل من ثلاث فإنه لا يستفيد – كذلك – معاني سامية عالية
يستفيدها من قرأ القرآن بتدبر وطمأنينة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
قراءة القرآن على الوجه المأمور به : تورث القلب الإيمان العظيم ، وتزيده يقينا
وطمأنينة وشفاء .
" مجموع الفتاوى " ( 7 / 283 ) .
ثانياً:
ما يُذكر في بعض كتب أهل العلم من ختمة بعضهم للقرآن أربعاً في النهار وأربعاً في
الليل : ينظر في أمر ثبوته عمن روي عنه ، لبعد وقوع ذلك جدا ؛ إذ الوقت لا يستوعب
هذا أصلاً . ومثله ما يُزعم من أن بعضهم ختم القرآن بين المغرب والعشاء ! وغير ذلك
مما لا يمكن تصديقه حتى مع السرعة في القراءة .
وأما قراءة القرآن – كاملاً - في يوم واحد : فممكنة واقعاً ، بل قد فعلها بعض
الأئمة – كما روي عنهم – في ركعة واحدة .
قال النووي – رحمه الله - :
وأما الذين ختموا القرآن في ركعة : فلا يُحصون ؛ لكثرتهم ، فمنهم : عثمان بن عفان ،
وتميم الداري ، وسعيد بن جبير .
" الأذكار " ( ص 102 ) .
ولكن هل من فعل ذلك يكون مهتدياً بسنَّة النبي صلى
الله عليه وسلم أو يكون فَعَل ما يجوز له شرعاً ؟!
والجواب : أما من جعل ذلك ديدناً له ومنهجاً في حياته : فلا شك أنه يقع في مخالفة
للشرع ، ولا يكون فعله ذلك إلا مع تفريط بواجبات شرعية عليه - كالصلاة وتربية
أولاده وصلة رحِمه وعِشرة أهله بالمعروف – أو تفريط في عمل يرتزق به .
وأما من فعل ذلك أحياناً بقصد مراجعة حفظه ، أو استثماراً لزمان فاضل – كشهر رمضان
- ، أو بسبب أنه معتكف في مسجد ، أو لأنه منقطع للعبادة في فترة محددة في مكة –
مثلاً - : فلا يكون بذلك مخالفاً للشرع ، وعلى هذه الأعذار يُحمل ما روي عن بعض
الأئمة من ختمهم للقرآن مرتين في اليوم أو مرة في اليوم ، لا أن ذلك كان منهجاً لهم
في حياتهم .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :
وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً ، وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأواخر كل
ليلة ، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة ، وعن أبي حنيفة نحوه
.
... .
وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك ، فأما في
الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر ، أو في
الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن
اغتناماً للزمان والمكان ، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة ، وعليه يدل عمل
غيرهم كما سبق ذكره .
" لطائف المعارف " ( ص 171 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 1684 ) .
والله أعلم