الإجابة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثم أمَّا بعد:
فإن الآية المشار إليها وردت في سورة النساء والحجرات، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94]، وقال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، وهذه قراءة صحيحة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لنافع وابن كثير وأبي عمر وابن عامر وعاصم وأبي جعفر ويعقوب الحضرمي.
وقراءة {فَتَثَبَّتوا}، صحيحة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا، لحمزة والكسائي وخلف العاشر.
أما كونها قرأت بالقراءتين فهكذا تلقاها الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم نقلوها إلى التابعين بالتواتر جيلاً عن جيل، مع اجتماع باقي الشروط التي ذكرها العلماء، لكن لا يسوغ جمعها في مصحف واحد؛ لأنه يؤدي إلى التشويش والتلبيس، ومن أراد تعلُّم هذه القراءات فعليه أن يتلقاها من الأئمة القراء الذين تلقوا هذه القراءات عمن قبلهم، فتعدد القراءات كان بوحي من الله وليس عن رأي واجتهاد، وإنما هي سنة متبعة مأخوذة بالتلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والقرآن أنزله الله على سبعة أحرف، ثم اجتمع المسلمون على حرف واحد، عندما جمع الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه القرآن في المصحف الإمام، وأمر بما سواه من المصاحف فأحرقت، وأجمع الصحابة على ذلك، والقراءات المشهورة راجعة إلى هذا الحرف، وما وقع بين القراءات من بعض الاختلافات فليس بينها تضاد من جهة المعنى، وإنما فيها تنوع وتكامل يكشف عن وجوه من إعجاز القرآن، وشمول معانيه وتيسير تلاوته، مثل قراءة التبين والتثبت فهما بمعنى واحد، وهو التثبت من الأخبار، والله تعالىنزه كلامه عن هذا الاختلاف الذي يضر.
قال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري في تفسيره "جامع البيان"(7/ 361) عند آية سورة النساء: "فقرأ ذلك عامة قراء المكيين والمدنيين وبعض الكوفيين والبصريين: {فَتَبَيَّنُوا}، بالباء والنون من التبيُّن، بمعنى: التأني والنظر والكشف عنه حتى يتضح، وقرأ ذلك عظم قراء الكوفيين {فَتَثَبَّتوا}، بمعنى التثبت الذي هو خلاف العجلة، والقول عندنا في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة المسلمين بمعنى واحد، وإن اختلفت بهما الألفاظ؛ لأن المتثبت متبين، والمتبين متثبت، فبأي القراءتين قرأ القارئ، فمصيب صواب القراءة في ذلك". اهـ.
وقال أيضًا عند آية سورة الحجرات (21/ 348): "{فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة {فَتَثَبَّتوا}، بالثاء، وذكر أنها في مصحف عبد الله منقوطة بالثاء، وقرأ ذلك بعض القراء {فتبينوا} بالباء، بمعنى: أمهلوا حتى تعرفوا صحته، لا تعجلوا بقبوله، وكذلك معنى {فَتَثَبَّتوا}، والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
مختصر الإجابة
ما وقع بين القراءات من بعض الاختلافات فليس بينها تضاد من جهة المعنى، وإنما فيها تنوع وتكامل يكشف عن وجوه من إعجاز القرآن، وشمول معانيه وتيسير تلاوته.