الإجابة
بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله وكفى، و سلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
نزول القرآن على سبعة أحرف:
في صحيح البخاري من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِىِّ, أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضى الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَنِيهَا، وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ لِي « ». ثُمَّ قَالَ لَهُ: « ». فَقَرَأَ. قَالَ: « ». ثُمَّ قَالَ لِي « ». فَقَرَأْتُ فَقَالَ: « ».
وفي صحيح مسلم من حديث عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزهري: بَلَغَنِي أَنَّ تِلْكَ السَّبْعَةَ الأَحْرُفَ إِنَّمَا هِيَ فِي الأَمْرِ الَّذِى يَكُونُ وَاحِدًا لاَ يَخْتَلِفُ فِي حَلاَلٍ وَلاَ حَرَامٍ .
اختلاف الأقوال في معنى الأحرف؟
الأحرف: هي الوجوه والأنحاء التي ينحوها القراء؛ يقال في حرف فلان؛ أي وجهه الذي ينحرف إليه ويقرأ به من وجوه القراءة.
قال أبو عبيد: قوله سبعة أحرف يعني سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم يسمع به قط، ولكن يقول هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات. ومعانيها مع هذا كله واحد.
قال الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي: اختلف الناس فيها على خمسة وثلاثين قولاً. وقال: وقفت منها على كثير؛ فذهب بعضهم إلى أن المراد التوسعة على القارئ، ولم يقصد به الحصر، والأكثر على أنه محصور في سبعة. ثم اختلفوا: هل هي باقية إلى الآن نقرؤها؟
وقال ابن عبدالبر: إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها أنها معان متفق مفهومها مختلف مسموعها، لا يكون في شيء منها معنى وضده، ولا وجه يخالف معنى وجه خلافًا ينفيه ويضاده، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده.
وظاهر الأحاديث: أن المراد بهذه الأحرف: اللغات؛ هو أن يقرأ كل قوم من العرب بلغتهم وما جرت عليه عادتهم من الإظهار والإدغام والإمالة والتفخيم والإشمام والهمز والتليين والمد، وغير ذلك من وجوه اللغات إلى سبعة أوجه منها في الكلمة الواحدة، فإن الحرف هو الطرف والوجه.
ويشهد لذلك ما رواه الترمذي عن أبي بن كعب أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فقال: «
»، فقال: "يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف".وسبب وروده على سبعة أحرف؛ للتخفيف على هذه الأمة، وإرادة اليسر بها، والتهوين عليها شرفًا لها، وتوسعة ورحمة، وخصوصية لفضلها، وإجابة لقصد نبيها أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم. ومنها نهاية البلاغة، وكمال الإعجاز وغاية الاختصار، وجمال الإيجاز، وسهولة حفظه وتيسير نقله.
وكان جبريل عليه السلام يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بمختلف هذه الأوجه والقراءات، ولذلك بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم: أن القرآن أنزل عليها، وإنها كلها شاف كاف، وأباح لأمته القراءة بما شاءت منها مع الإيمان بجميعها، والإقرار بكلها إذ كانت كلها من عند الله تعالى منزلة، ومنه صلى الله عليه وسلم مأخوذة.
ولم تلزم الأمة بحفظ الأحرف السبعة كلها ولا القراءة بأجمعها؛ بل هي مخيرة في القراءة بأي حرف شاءت منها؛ وقد أمرت بحفظ القرآن وتلاوته، ثم خيرت في أي الأحرف السبعة شاءت.
ومن المعلوم أن القراءات السبع ليست هي الأحرف السبعة، كما يظن البعض، بل هي جزء من الأحرف السبعة. أما القراءات السبع فهي منسوبة إلى أئمة سبعة نقل عنهم القراءات المتواترة. وأن الأحرف السبعة المنزلة من الله تعالى هي مصدر هذه القراءات سواء كانت سبع أو عشر. وأن القراءات المتواترة من الأحرف السبعة قطعاً. وأما القراءات الشاذة التي لم تتوافر فيها شروط الصحة فلا يقطع بكونها من الأحرف السبعة.
ولمزيد من الفائدة انظر: (نشأة القراءات الشاذة) على هذا الرابط: نشأة القراءات