الإجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن القراءة بهذه الطريقة المذكورة لا تجوز؛ والوقف والابتداء من أحكام القراءة، فيجب أن يتبع فيها ما درج عليه علماء القراءات، وما يتفق مع مقتضى اللسان العربي، وما ذكر في السؤال من الأمثلة، منه ما لا يفيد معنى جديدا، بل يخالف قاعدة اللسان العربي، ويتضمن الزيادة في القرآن.
1- فقوله تعالى: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}، الجملة استفهام، وقاعدة اللغة أنها لا تعاد جملة الاستفهام في الجواب، فإذا قال القارئ: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}، ثم قال: {الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}، زاد في القرآن جملة؛ مرة في السؤال ومرة في الجواب، إذ يكون التقدير: لمن الملك اليوم؟ الملك اليوم لله الواحد القهار.
2- وكذا قوله تعالى: {تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}، فإن إعادة الجار والمجرور {عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}، يتضمن أنها تمشي على استحياء، وقالت ما قالت على استحياء، وهذا معنى محدث، لم يدل عليه القرآن، ويلزم منه أن يكون المعنى: مشت على استحياء، وقالت على استحياء، والتقدير: تمشي على استجياء، على استحياء قالت.
3- وكذلك قوله تعالى عن مريم: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَٰلِكِ}، الوقف على اسم الإشارة، ثم الابتداء بقوله: {قَالَ كَذَٰلِكِ}، يتضمن استعمال اسم الإشارة في معنيين؛ أولهما: قول مريم: {لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}، وهذا معنى محدث، لم يقل به أحد من المفسرين، والمراد من اسم الإشارة المعنى الثاني، وهو الإشارة إلى خلق المسيح.
4- وقوله تعالى: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا}، إعادة {أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} يتضمن معنى محدثا لم يُرد من الآية، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم شخصه أو بعثته ذكرى للساعة، ويزعم من يقرأ كذلك أن معنى (ذكرى) علامة، وهذا خلاف ما يقتضيه سياق الكلام، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس في شيء من العلم بموعد الساعة.
5- قوله تعالى: {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}، الاستفهام في الآية للإنكار؛ فتفيد الآية نفي الزرع عن المخاطبين، وإضافته إلى الله العظيم، فالوقف على الضمير ثم الابتداء به لا يفيد معنى جديدا، بل يؤدي إلى الزيادة في القرآن بتكرار الضمير، والتطويل المنافي للفصاحة.
6- وقوله تعالى: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ}، الوقف على إبراهيم ثم إعادة جملة النداء يتضمن دعوى باطلة في خبر الله عن أبي إبراهيم، وهو أنه قال: {يَا إِبْرَاهِيمُ} مرتين، مرة مع جملة الاستفهام الإنكاري، ومرة مع جملة التهديد، والله إنما ذكر جملة النداء مرة واحدة، كما أنه يتضمن الزيادة في القرآن، وليس فيه معنى جديد، وجملة التهديد لا تفتقر إلى إعادة جملة النداء.
7- قوله تعالى: {أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} وردت الآية لبيان من هو خير، وهو الله الواحد القهار، وفي الوقت نفسه تفيد أن الله هو الواحد القهار، وإعادة الجملة يتضمن أنها جواب لاستفهام عن تعيين الواحد القهار، وهذا معنى محدث في الآية، كما يتضمن الزيادة في القرآن؛ فإن مقتضى الوقف والابتداء المذكور يجعل التقدير: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، {اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، والحاصل أن الحامل على هذه الطريقة هو الاستحسان، وهو أصل البدع في الدين، فالواجب ترك هذه الطريقة، ومناصحة من يقرأ بها.
8- قوله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، من يعيد المجرور {الظَّالِمِينَ} لا يريد أن تكون جملة مستأنفة؛ فيجب الرفع، ومعلوم أن هذا لا يجوز في الآية، وإنما يريد بناء الوصف {الَّذِينَ يَصُدُّونَ}، وكان الذي ينبغي إذا وقف اضطرارا أن يعيد حرف الجر "على"، مع أنه لا موجب لإعادة المجرور، ولا الجار والمجرور، وليس في الوقف على {الظَّالِمِينَ} إشكال، كالوقف على المصلين من قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].
والله أعلم.