الإجابة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالقول بأنه يجب علينا تعلم اللغة الآرامية لكي نفهم القرآن، بحجة وجود كلمات آرامية فيه. هذا القول لا يقوله إلا جاهل، أو متحامل على العرب ولغتهم، ويكفي في بطلانه أنه لا قائل به من أهل العلم فيما نعلم، ولا يستغرب أن يُقال أكثر من هذا، فإننا في زمن اشتدت فيه الهجمة على دين الإسلام، وكثر التشكيك في مصادره كتابا وسنة، ومن المعلوم أن الله تعالى أنزل كتابه بلسان عربي مبين، ومن أنكر ذلك فقد كذَّبَ الله تعالى في خبره. قال الله تعالى: ... وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ. {النحل :103 }، وقال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. {يوسف: 2 }، وقال تعالى: قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.{ الزمر : 28}، وقال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. {الشعراء:193-195 }، والآيات في هذا كثيرة معلومة.
وهذا الكتاب بهذه اللغة البينة العظيمة، كاف لهدايتنا من غير حاجة لتعلم لغة أخرى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {العنكبوت:51}، وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 165001 أن ما وجد في القرآن من الألفاظ التي قيل إنها أعجمية، هي مما توافقت عليه اللغات.
قال القرطبي في تفسيره: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ كَلَامٌ مُرَكَّبٌ عَلَى أَسَالِيبَ غَيْرِ الْعَرَبِ، وَأَنَّ فِيهِ أَسْمَاءٌ أَعْلَامًا لِمَنْ لِسَانُهُ غَيْرُ الْعَرَبِ، كَإِسْرَائِيلَ، وَجِبْرِيلَ، وَعِمْرَانَ، وَنُوحٍ وَلُوطٍ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ وَقَعَ فِيهِ أَلْفَاظٌ غَيْرُ أَعْلَامٍ مُفْرَدَةٍ من كلام غير الْعَرَبِ؟
فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ، وَالطَّبَرَيُّ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِيهِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ صَرِيحٌ، وَمَا وُجِدَ فِيهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَى سَائِرِ اللُّغَاتِ، إِنَّمَا اتُّفِقَ فِيهَا أَنْ تَوَارَدَتِ اللُّغَاتُ عَلَيْهَا فَتَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ، وَالْفُرْسُ، وَالْحَبَشَةُ وَغَيْرُهُمْ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُودِهَا فِيهِ، وَأَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ لِقِلَّتِهَا لَا تُخْرِجُ الْقُرْآنُ عَنْ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا مُبَيِنًا، وَلَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ كَوْنِهِ متكلما بلسان قومه. اهـ.
وبهذا تعلم أنه لو كان فيه شيء من الكلمات الأعجمية غير الأعلام -هذا على القول بأنها أعجمية وليست مما تواردت عليه اللغات- فهي مما تكلم به العرب، ثم هي يسيرة لا تستدعي تعلم اللغة الأعجمية.
وما ذكره السائل في تفسير ( طـــه ) قيل معناها يا رجل وقيل غير ذلك، وتفسيرها بيا رجل لا يعارض كون القرآن عربيا، فقد تكلمت العرب بها بمعنى يا رجل فهي عربية إذن، وقد ذكر ابن جرير الطبري في تفسيرها بيت متمم بن نويرة:
هَتَفْتُ بِطَهَ فِي القِتالِ فَلَمْ يُجِبْ... فَخِفْتُ عَلَيْهِ أنْ يَكونَ مُوَائِلا
وقال آخر:
إنَّ السَّفاهَةَ طَهَ مِنْ خَلائِقكُمْ... لا بارَكَ اللهُ فِي القَوْمِ المَلاعِينِ. اهــ.
ولو فُرضَ أنها أرامية أو غيرها ولا علاقة لها باللغة العربية، فقد بين العلماء معناها بالعربية، فأي حاجة لتعلم اللغة الأرامية؟!!
وأما القول بأن أَلَمِّ، و نُ، كلمات آرامية، فهذا لم نقف له على قائل، ولو فرض أن من العلماء من قال ذلك، فهذا لا يمكن الجزم به، فقد قيل في تفسيرها غير هذا.
والله أعلم.