مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فِيهِمْ، وَفِي نَعْتِهِمْ وَصِفَتِهِمْ الَّتِي وَصَفَهُمْ بِهَا مِنْ إِيمَانِهِمْ بِالْغَيْبِ، وَسَائِرِ الْمَعَانِي الَّتِي حَوَتْهَا الْآيَتَانِ مِنْ صِفَاتِهِمْ غَيْرِهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ مُؤْمِنُو الْعَرَبِ خَاصَّةً، دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ وَحَقِيقَةِ تَأْوِيلِهِمْ بِالْآيَةِ الَّتِي تَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [البقرة: ٤] قَالُوا: فَلَمْ يَكُنْ لِلْعَرَبِ كِتَابٌ قَبْلَ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدِينُ بِتَصْدِيقِهِ وَالْإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْكِتَابُ لِأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ غَيْرَهَا. قَالُوا: فَلَمَّا قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبَأَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِهِ بَعْدَ اقْتِصَاصِهِ نَبَأَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْغَيْبِ، عَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ غَيْرُ الصِّنْفِ الْآخَرِ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْغَيْبِ نَوْعٌ غَيْرُ النَّوْعِ الْمُصَدِّقِ بِالْكِتَابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا مُنَزَّلٌ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْآخَرُ مِنْهُمَا عَلَى مَنْ قَبْلَهُ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣] إِنَّمَا هُمُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا غَابَ عَنْهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْبَعْثِ، وَالتَّصْدِيقِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَجَمِيعِ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ لَا تَدِينُ بِهِ فِي جَاهِلَيَّتِهَا، بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى