كَقَوْلِكَ: ضَارَبْتُ أَخَاكَ، وَجَالَسْتُ أَبَاكَ؛ إِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُجَالِسَ صَاحِبِهِ وَمُضَارِبَهُ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْفِعْلُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنَّمَا يُقَالُ: ضَرَبْتَ أَخَاكَ وَجَلَسْتَ إِلَى أَبِيكَ، فَمَنْ خَادَعَ الْمُنَافِقُ فَجَازَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: خَادَعَ اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ. قِيلَ: قَدْ قَالَ بَعْضُ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْعِلْمِ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ: إِنَّ ذَلِكَ حَرْفٌ جَاءَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، أَعْنِي يُخَادِعُ بِصُورَةِ يُفَاعِلُ وَهُوَ بِمَعْنَى يَفْعَلُ فِي حُرُوفٍ أَمْثَالُهَا شَاذَّةٌ مِنْ مَنْطِقِ الْعَرَبِ، نَظِيرَ قَوْلِهِمْ: قَاتَلَكَ اللَّهُ، بِمَعْنَى قَتَلَكَ اللَّهُ. وَلَيْسَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي كَالَّذِي قَالَ، بَلْ ذَلِكَ مِنَ التَّفَاعُلِ الَّذِي لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ كَسَائِرِ مَا يُعْرَفُ مِنْ مَعْنَى يُفَاعِلُ وَمُفَاعِلٍ فِي كُلِّ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقَ يُخَادِعُ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِكَذِبِهِ بِلِسَانِهِ عَلَى مَا قَدْ تَقَدَّمَ وَصْفُهُ، وَاللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ خَادِعُهُ بِخُذْلَانِهِ عَنْ حُسْنِ الْبَصِيرَةِ بِمَا فِيهِ نَجَاةُ نَفْسِهِ فِي آجِلِ مَعَادِهِ، كَالَّذِي أَخْبَرَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ [آل عمران: ١٧٨] وَبِالْمَعْنَى الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّهُ، فَاعِلٌ بِهِ فِي الْآخِرَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ [الحديد: ١٣] الْآيَةُ، فَذَلِكَ نَظِيرُ سَائِرِ مَا يَأْتِي مِنْ مَعَانِي الْكَلَامِ بِفَاعِلٍ وَمُفَاعِلٌ.