وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِقُدْرَتِهِ لِيَبْتَلِيَهُ وَيَبْتَلِيَ بِهِ لِعِلْمِهِ بِمَا فِي مَلَائِكَتِهِ وَجَمِيعِ خَلْقِهِ، وَكَانَ أَوَّلُ بَلَاءٍ ابْتُلِيَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مِمَّا لَهَا فِيهِ مَا تُحِبُّ وَمَا تَكْرَهُ لِلْبَلَاءِ وَالتَّمْحِيصِ لِمَا فِيهِمْ مِمَّا لَمْ يَعْلَمُوا وَأَحَاطَ بِهِ عِلْمُ اللَّهِ مِنْهُمْ، جَمَعَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ سُكَّانِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠] يَقُولُ: عَامِرٌ أَوْ سَاكِنٌ يَسْكُنُهَا وَيَعْمُرُهَا خَلْقًا لَيْسَ مِنْكُمْ. ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِعِلْمِهِ فِيهِمْ، فَقَالَ: يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَيَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي، فَقَالُوا جَمِيعًا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: ٣٠] لَا نَعْصِيَ وَلَا نَأْتِي شَيْئًا كَرِهْتَهُ؟ قَالَ: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ فِيكُمْ وَمِنْكُمْ، وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ، مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالْفَسَادِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَإِتْيَانِ مَا أَكْرَهُ مِنْهُمْ، مِمَّا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ، مِمَّا ذَكَرْتُ فِي بَنِي آدَمَ. قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [ص: ٧٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٢٩]-[٤٩٧]- فَذَكَرَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ مِنْ ذِكْرِهِ آدَمَ حِينَ أَرَادَ خَلْقَهُ وَمُرَاجَعَةَ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ فِيمَا ذَكَرَ لَهُمْ مِنْهُ. فَلَمَّا عَزَمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى خَلْقِ آدَمَ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ﴾ بِيَدَيَّ تَكْرِمَةً لَهُ، وَتَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ، وَتَشْرِيفًا لَهُ؛ حَفِظَتِ الْمَلَائِكَةُ عَهْدَهُ، وَوَعُوا قَوْلَهُ، وَأَجْمَعُوا الطَّاعَةَ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَدُوِّ اللَّهِ إِبْلِيسُ، فَإِنَّهُ صَمَتَ عَلَى مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْحَسَدِ وَالْبَغْيِ وَالتَّكَبُّرِ وَالْمَعْصِيَةِ. وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ آدَمَةِ الْأَرْضِ، مِنْ طِينٍ لَازِبٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ، بِيَدَيْهِ تَكْرِمَةً لَهُ وَتَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ وَتَشْرِيفًا لَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَيُقَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ ثُمَّ وَضَعَهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ أَرْبَعِينَ عَامًا قَبْلَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ حَتَّى عَادَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ، وَلَمْ تَمَسَّهُ نَارٌ. قَالَ: فَيُقَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: إِنَّهُ لَمَّا انْتَهَى الرُّوحُ إِلَى رَأْسِهِ عَطَسَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ رَبُّكَ. وَوَقَعَ الْمَلَائِكَةُ حِينَ اسْتَوَى سُجُودًا لَهُ حِفْظًا لِعَهْدِ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ، وَطَاعَةً لِأَمْرِهِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ. وَقَامَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَلَمْ يَسْجُدْ مُكَابِرًا مُتَعَظِّمًا بَغْيًا وَحَسَدًا، فَقَالَ لَهُ: ﴿يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: ٧٥] إِلَى: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٥] قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ إِبْلِيسَ وَمُعَاتَبَتِهِ وَأَبَى إِلَّا الْمَعْصِيَةَ، أَوْقَعَ عَلَيْهِ اللَّعْنَةَ وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى آدَمَ، وَقَدْ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا، فَقَالَ: ﴿يَا آدَمُ أنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾، ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] أَيْ إِنَّمَا أَجَبْنَاكَ فِيمَا عَلَّمْتَنَا، فَأَمَّا مَا لَمْ -[٤٩٨]- تُعَلِّمْنَا فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ. فَكَانَ مَا سَمَّى آدَمُ مِنْ شَيْءٍ كَانَ اسْمُهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "


الصفحة التالية
Icon