وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: " إِنَّمَا تَكَلَّمُوا بِمَا أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ كَائِنٌ مِنْ خَلْقِ آدَمَ، فَقَالُوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠] " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ مَا قَالَتْ: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠] لِأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَهَا فِي السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهَا أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَسَأَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَقَالَتْ عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْهَا: وَكَيْفَ يَعْصُونَكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ خَالِقُهُمْ. فَأَجَابَهُمْ رَبُّهُمْ: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوهُ أَنْتُمْ، وَمِنْ بَعْضِ مَنْ تَرَوْنَهُ لِي طَائِعًا. يُعَرِّفُهُمْ بِذَلِكَ قُصُورَ عِلْمِهِمْ عَنْ عِلْمِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ [البقرة: ٣٠] عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْإِنْكَارِ مِنْهُمْ عَلَى رَبِّهِمْ، وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ لِيَعْلَمُوا، وَأَخْبَرُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ. وَقَالَ: قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يُعْصَى اللَّهُ، لِأَنَّ الْجِنَّ قَدْ كَانَتْ أُمِرَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَصَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِرْشَادِ عَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا مِنْ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَبِّ خَبِّرْنَا؛ مَسْأَلَةَ اسْتِخْبَارٍ مِنْهُمْ لِلَّهِ لَا عَلَى وَجْهِ مَسْأَلَةِ التَّوْبِيخِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ مَلَائِكَتِهِ