حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ [الأعراف: ٧٣]، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ صَالِحًا إِلَى ثَمُودَ، فَدَعَاهُمْ فَكَذَّبُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ، فَجَاءَهُمْ بِالنَّاقَةِ، لَهَا شِرْبٌ وَلَهُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، وَقَالَ: ذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ، فَأَقَرُّوا بِهَا جَمِيعًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧]، وَكَانُوا قَدْ أَقَرُّوا بِهِ عَلَى وَجْهِ النِّفَاقِ وَالتَّقِيَّةِ، وَكَانَتِ النَّاقَةُ لَهَا شِرْبٌ، فَيَوْمٌ تَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ تَمُرُّ بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَيَرْجُمُونَهَا، فَفِيهِمَا أَثَرُهَا حَتَّى السَّاعَةِ، ثُمَّ تَأْتِي فَتَقِفُ لَهُمْ حَتَّى يَحْلِبُوا اللَّبَنَ فَيَرْوِيهِمْ، فَكَانَتْ تَصُبُّ اللَّبَنَ صَبًّا، وَيَوْمُ يَشْرَبُونَ الْمَاءَ لَا تَأْتِيهِمْ. وَكَانَ مَعَهَا فَصِيلٌ لَهَا، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: إِنَّهُ يُولَدُ فِي شَهْرِكُمْ هَذَا غُلَامٌ يَكُونُ هَلَاكُكُمْ عَلَى يَدَيْهِ، فَوُلِدَ لِتِسْعَةٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ، فَذَبَحُوا أَبْنَاءَهُمْ، ثُمَّ وُلِدَ لِلْعَاشِرِ فَأَبَى أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ، وَكَانَ لَمْ يُولَدْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَكَانَ ابْنُ الْعَاشِرِ أَزْرَقَ أَحْمَرَ، فَنَبَتَ نَبَاتًا سَرِيعًا، فَإِذَا مَرَّ بِالتِّسْعَةِ فَرَأَوْهُ، قَالُوا: لَوْ كَانَ أَبْنَاؤُنَا أَحْيَاءَ كَانُوا مِثْلَ هَذَا، فَغَضِبَ التِّسْعَةُ عَلَى صَالِحٍ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذِبْحِ أَبْنَائِهِمْ، فَ ﴿تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [النمل: ٤٩]، قَالُوا: نَخْرُجْ، فَيَرَى النَّاسُ أَنَّا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَرٍ، فَنَأْتِي الْغَارَ فَنَكُونُ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَخَرَجَ صَالِحٌ إِلَى الْمَسْجِدِ أَتَيْنَاهُ فَقَتَلْنَاهُ ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْغَارِ فَكُنَّا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعْنَا فَقُلْنَا مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، يُصَدِّقُونَنَا يَعْلَمُونَ أَنَّا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَرٍ. فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا دَخَلُوا الْغَارَ أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ اللَّيْلِ، فَسَقَطَ عَلَيْهِمُ -[٢٨٥]- الْغَارُ فَقَتَلَهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: ٤٨] حَتَّى بَلَغَ هَهُنَا: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النمل: ٥١]، وَكَبِرَ الْغُلَامُ ابْنُ الْعَاشِرِ، وَنَبَتَ نَبَاتًا عَجَبًا مِنَ السُّرْعَةِ، فَجَلَسَ مَعَ قَوْمٍ يُصِيبُونَ مِنَ الشَّرَابِ، فَأَرَادُوا مَاءً يَمْزِجُونَ بِهِ شَرَابَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ شِرْبِ النَّاقَةِ، فَوَجَدُوا الْمَاءَ قَدْ شَرِبَتْهُ النَّاقَةُ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا فِي شَأْنِ النَّاقَةِ: مَا نَصْنَعُ نَحْنُ بِاللَّبَنِ؟ لَوْ كُنَّا نَأْخُذُ هَذَا الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُهُ هَذِهِ النَّاقَةُ، فَنَسْقِيهِ أَنْعَامَنَا وَحُرُوثَنَا، كَانَ خَيْرًا لَنَا، فَقَالَ الْغُلَامُ ابْنُ الْعَاشِرِ: هَلْ لَكُمْ فِي أَنْ أَعْقِرَهَا لَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَأَظْهَرُوا دِينَهُمْ، فَأَتَاهَا الْغُلَامُ، فَلَمَّا بَصُرَتْ بِهِ شَدَّتْ عَلَيْهِ، فَهَرَبَ مِنْهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، دَخَلَ خَلْفَ صَخْرَةٍ عَلَى طَرِيقِهَا فَاسْتَتَرَ بِهَا، فَقَالَ: أَحِيشُوهَا عَلَيَّ، فَأَحَاشُوهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَازَتْ بِهِ نَادَوْهُ: عَلَيْكَ، فَتَنَاوَلَهَا فَعَقَرَهَا، فَسَقَطَتْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ﴾ [القمر: ٢٩]، وَأَظْهَرُوا حِينَئِذٍ أَمْرَهُمْ، وَعَقَرُوا النَّاقَةَ، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَقَالُوا: يَا صَالِحُ، ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا، وَفَزِعَ نَاسٌ مِنْهُمْ إِلَى صَالِحٍ وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ النَّاقَةَ قَدْ عُقِرَتْ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْفَصِيلِ، فَطَلَبُوا الْفَصِيلَ فَوَجَدُوهُ عَلَى رَابِيَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَطَلَبُوهُ، فَارْتَفَعَتْ بِهِ حَتَّى حَلَّقَتْ بِهِ فِي السَّمَاءِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ. ثُمَّ دَعَا الْفَصِيلَ إِلَى اللَّهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى صَالِحٍ أَنْ مُرْهُمْ فَلْيَتَمَتَّعُوا فِي دَارِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾ [هود: ٦٥]، وَآيَةُ -[٢٨٦]- ذَلِكَ أَنْ تُصْبِحَ وُجُوهُكُمْ أَوَّلَ يَوْمٍ مُصْفَرَّةً، وَالثَّانِي مُحْمَرَّةً، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ مُسْوَدَّةً، وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ فِيهِ الْعَذَابُ. فَلَمَّا رَأَوُا الْعَلَامَاتِ تَكَفَّنُوا وَتَحَنَّطُوا وَلَطَّخُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْمَرِّ، وَلَبِسُوا الْأَنْطَاعَ، وَحَفَرُوا الْأَسْرَابَ، فَدَخَلُوا فِيهَا يَنْتَظِرُونَ الصَّيْحَةَ، حَتَّى جَاءَهُمُ الْعَذَابُ فَهَلَكُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَ ﴿دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النمل: ٥١]


الصفحة التالية
Icon