الْمَاءَ وَاللَّبَنَ، بِمَعْنَى خَلَطْتُهُ بِاللَّبَنِ ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] يَقُولُ: لَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: سَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى مَا وَصَفْتُ. ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو صَفْحٍ وَعَفْوٌ لِمَنْ تَابَ عَنْ ذُنُوبِهِ وَسَاتِرٌ لَهُ عَلَيْهَا رَحِيمٌ أَنْ يُعَذِّبَهُ بِهَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَالسَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ أُنْزِلَتْ فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي عَشْرَةِ أَنْفُسٍ كَانُوا تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ، فَرَبَطَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ إِلَى السَّوَارِي عِنْدَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْبَةً مِنْهُمْ مِنْ ذَنْبِهِمْ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ [التوبة: ١٠٢] قَالَ: كَانُوا عَشْرَةَ رَهْطٍ تَخَلَّفُوا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَمَّا حَضَرَ رُجُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْثَقَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مَمَرُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: «مَنْ هَؤُلَاءِ الْمُوَثِّقَونَ أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي؟» قَالُوا: هَذَا أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابٌ لَهُ تَخَلَّفُوا عَنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى تُطْلِقَهُمْ وَتَعْذُرَهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَا أُطْلِقُهُمْ وَلَا أَعْذُرُهُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُهُمْ رَغِبُوا عَنِّي وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ» فَلَمَّا -[٦٥٢]- بَلَغَهُمْ ذَلِكَ، قَالُوا: وَنَحْنُ لَا نُطْلِقُ أَنْفُسَنَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ الَّذِي يُطْلِقُنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ. فَلَمَّا نَزَلَتْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَطْلَقَهُمْ وَعَذَرَهُمْ " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانُوا سِتَّةً، أَحَدُهُمْ أَبُو لُبَابَةَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ


الصفحة التالية
Icon