الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ، ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي، وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: ١٤] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ لِرُسُلِهِمُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ حِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَفِرَاقِ عِبَادَةِ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ: ﴿لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [إبراهيم: ١٣] يَعْنُونَ: مِنْ بِلَادِنَا، فَنَطْرُدُكُمْ عَنْهَا ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ [الأعراف: ٨٨] يَعْنُونَ: إِلَّا أَنْ تَعُودُوا فِي دِينِنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَأُدْخِلَتْ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَتَعُودُنَّ﴾ [الأعراف: ٨٨] لَامٍ، وَهُوَ فِي مَعْنَى شَرْطٍ، كَأَنَّهُ جَوَّابٌ لِلْيَمِينِ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ تَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا، وَمَعْنَى «أَوْ» هَهُنَا مَعْنَى «إِلَّا» أَوْ مَعْنَى «حَتَّى» كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: لَأَضْرِبَنَّكَ أَوْ تُقِرَّ لِي، فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ مَا بَعْدَ «أَوْ» فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ جَزْمًا جَزَمُوهُ، وَإِنْ كَانَ نَصْبًا نَصَبُوهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ لَامٌ جَعَلُوا فِيهِ لَامًا، إِذْ كَانَتْ «أَوْ» حَرْفُ نَسَقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْصِبُ «مَا» بَعْدَ «أَوْ» بِكُلِّ حَالٍ، لِيَعْلَمَ بِنَصْبِهِ أَنَّهُ عَنِ الْأَوَّلِ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل]
بَكَى صَاحِبِي لَمَّا رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ | وَأَيْقَنَ أَنَّا لَاحِقَانِ بِقَيْصَرَا |
لَا تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّمَا | نُحَاوِلُ مُلْكًا أَوْ نَمُوتَ فَنُعْذَرَا |
[البحر البسيط]
لَا أَسْتَطِيعُ نُزُوعًا عَنْ مَوَدَّتِهَا | أَوْ يَصْنَعُ الْحُبُّ بِي غَيْرَ الَّذِي صَنَعَا |