عِبَادَهُ بِصِلَةِ قَرَابَاتِ أَنْفُسِهِمْ وَأَرْحَامِهِمْ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَقَّبَ ذَلِكَ عَقِيبَ حَضِّهِ عِبَادَهُ عَلَى بِرِّ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَضًّا عَلَى صِلَةِ أَنْسَابِهِمْ دُونَ أَنْسَابِ غَيْرِهِمُ الَّتِي لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَأَعْطِ يَا مُحَمَّدُ ذَا قَرَابَتِكَ حَقَّهُ مِنْ صِلَتِكَ إِيَّاهُ، وَبِرُّكَ بِهِ، وَالْعَطْفَ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْخِطَابِ لِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِحُكْمِهِ جَمِيعَ مَنْ لَزِمَتْهُ فَرَائِضُ اللَّهِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاؤُهُ الْوَصِيَّةَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا﴾ [الإسراء: ٢٣] فَوَجَّهَ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ﴾ [الإسراء: ٢٣] إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [يوسف: ٤٠] فَرَجَعَ بِالْخِطَابِ بِهِ إِلَى الْجَمِيعِ، ثُمَّ صَرَفَ الْخَطَّابَ بِقَوْلِهِ ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ﴾ [الإسراء: ٢٣] إِلَى إِفْرَادِهِ بِهِ. وَالْمَعْنَى بِكُلِّ ذَلِكَ جَمِيعُ مَنْ لَزِمَتْهُ فَرَائِضُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَفْرَدَ بِالْخِطَابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ أَوْ عَمَّ بِهِ هُوَ وَجَمِيعُ أُمَّتِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْمِسْكِينَ﴾ [الإسراء: ٢٦] وَهُوَ الذِّلَّةُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْمِسْكِينِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ [الإسراء: ٢٦] يَعْنِي: الْمُسَافِرَ الْمُنْقَطَعَ بِهِ، يَقُولُ تَعَالَى: وَصِلْ قَرَابَتَكَ، فَأَعْطِهِ حَقَّهُ مِنْ صِلَتِكَ إِيَّاهُ، وَالْمِسْكِينَ ذَا الْحَاجَةِ، وَالْمُجْتَازَ بِكَ الْمُنْقَطَعَ بِهِ، فَأَعِنْهُ، وَقُوَّةً