حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: ٦٠] قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ مُوسَى وَقَوْمُهُ عَلَى مِصْرَ أَنْزَلَ قَوْمَهُ مِصْرَ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِهِمُ الدَّارُ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ ﴿ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] فَخَطَبَ قَوْمَهُ، فَذَكَرَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ، وَذَكَّرَهُمْ إِذْ أَنْجَاهُمُ اللَّهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَذَكَّرَهُمْ هَلَاكَ عَدُوِّهِمْ، وَمَا اسْتَخْلَفَهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، وَقَالَ: كَلَّمَ اللَّهُ نَبِيَّكُمْ تَكْلِيمًا، وَاصْطَفَانِي لِنَفْسِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ مَحَبَّةً مِنْهُ، وَآتَاكُمُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ، فَنَبِيُّكُمْ أَفْضَلُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ، فَلَمْ يَتْرُكْ نِعْمَةً أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا ذَكَرَهَا، وَعَرَّفَهَا إِيَّاهُمْ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: هُمْ كَذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْنَا الَّذِي تَقُولُ، فَهَلْ عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا فَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرَئِيلَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَمَا يُدْرِيكَ أَيْنَ أَضَعُ عِلْمِي؟ بَلَى إِنَّ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ رَجُلًا أَعْلَمُ مِنْكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْخَضِرُ، فَسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ إِيَّاهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ ائْتِ الْبَحْرَ، فَإِنَّكَ تَجِدُ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ حُوتًا، فَخُذْهُ فَادْفَعْهُ إِلَى فَتَاكَ، ثُمَّ الْزَمْ شَطَّ الْبَحْرِ، فَإِذَا نَسِيتَ الْحُوتَ وَهَلَكَ مِنْكَ، فَثَمَّ تَجِدُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ الَّذِي تَطْلُبُ، فَلَمَّا طَالَ سَفَرُ مُوسَى نَبِيَّ اللَّهِ وَنَصَبَ فِيهِ، سَأَلَ فَتَاهُ عَنِ الْحُوتِ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ وَهُوَ غُلَامُهُ ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣] قَالَ الْفَتَى: لَقَدْ رَأَيْتُ الْحُوتَ حِينَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ مُوسَى -[٣٣١]- فَرَجَعَ حَتَّى أَتَى الصَّخْرَةَ، فَوَجَدَ الْحُوتَ يَضْرِبُ فِي الْبَحْرِ، وَيَتْبَعُهُ مُوسَى، وَجَعَلَ مُوسَى يُقَدِّمُ عَصَاهُ يُفَرِّجُ بِهَا عَنِ الْمَاءِ يَتْبَعُ الْحُوتَ، وَجَعَلَ الْحُوتُ لَا تَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا يَبِسَ حَتَّى يَكُونَ صَخْرَةً، فَجَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى انْتَهَى بِهِ الْحُوتُ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ. فَلَقِيَ الْخَضِرَ بِهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْخَضِرُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، وَأَنَّى يَكُونُ هَذَا السَّلَامُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ، وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: أَصَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا﴾ [الكهف: ٦٧] قَالَ: لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ مُوسَى: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف: ٦٩] قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: لَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ أَصْنَعُهُ حَتَّى أُبَيِّنَ لَكَ شَأْنَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠] فَرَكِبَا فِي السَّفِينَةِ يُرِيدَانِ الْبَرَّ، فَقَامَ الْخَضِرُ فَخَرَقَ السَّفِينَةَ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١]


الصفحة التالية
Icon