قَالَ أَلِيفَزُ التَّيْمَانِيُّ: قَدْ أَعْيَانَا أَمْرُكَ يَا أَيُّوبُ، إِنْ كَلَّمْنَاكَ فَمَا نَرْجُو لِلْحَدِيثِ مِنْكَ مَوْضِعًا، وَإِنْ نَسَكُتْ عَنْكَ مَعَ الَّذِي نَرَى فِيكَ مِنَ الْبَلَاءِ، فَذَلِكَ عَلَيْنَا. قَدْ كُنَّا نَرَى مِنْ أَعْمَالِكَ أَعْمَالًا كُنَّا نَرْجُو لَكَ عَلَيْهَا مِنَ الثَّوَابِ غَيْرَ مَا رَأَيْنَا، فَإِنَّمَا يَحْصُدُ امْرُؤٌ مَا زَرَعَ، وَيُجْزَى بِمَا عَمِلَ. أَشْهَدُ عَلَى اللَّهِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ قَدْرُ عَظَمَتِهِ، وَلَا يُحْصَى عَدَدُ نِعَمِهِ، الَّذِي يُنَزِّلُ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ فَيُحْيِيِ بِهِ الْمَيِّتَ، وَيَرْفَعُ بِهِ الْخَافِضَ، وَيُقَوِّي بِهِ الضَّعِيفَ، الَّذِي تَضِلُّ حِكْمَةُ الْحُكَمَاءِ عِنْدَ حِكْمَتِهِ، وَعِلْمُ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ عِلْمِهِ، حَتَّى تُرَاهُمْ مِنَ الْعِيِّ فِي ظُلْمَةٍ يَمُوجُونَ، أَنَّ مَنْ رَجَا مَعُونَةَ اللَّهِ هُوَ الْقَوِيُّ، وَأَنَّ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَكْفِيُّ، هُوَ الَّذِي يَكْسِرُ وَيَجْبُرُ، وَيَجْرَحُ وَيُدَاوِي قَالَ أَيُّوبُ: لِذَلِكَ سَكَتُّ فَعَضِضْتُ عَلَى لِسَانِي، وَوَضَعْتُ لِسُوءِ الْخِدْمَةِ رَأْسِي، لِأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ عُقُوبَتَهُ غَيَّرَتْ نُورَ وَجْهِي، وَأَنَّ قُوَّتَهُ نَزَعَتْ قُوَّةَ جَسَدِي، فَأَنَا عَبْدُهُ، مَا قَضَى عَلَيَّ أَصَابَنِي، وَلَا قُوَّةَ لِي إِلَّا مَا حَمَلَ عَلَيَّ، لَوْ كَانَتْ عِظَامِي مِنْ حَدِيدٍ، وَجَسَدِي مِنْ نُحَاسِ، وَقَلْبِي مِنْ حِجَارَةٍ، لَمْ أُطِقْ هَذَا الْأَمْرَ، وَلَكِنْ هُوَ ابْتَلَانِي، وَهُوَ يَحْمِلُهُ عَنِّي، أَتَيْتُمُونِي غِضَابًا، رَهِبْتُمْ قَبْلَ أَنْ تُسْتَرْهَبُوا، وَبَكَيْتُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُضْرَبُوا، كَيْفَ بِي لَوْ قُلْتُ لَكُمْ: تَصَدَّقُوا عَنِّي بِأَمْوَالِكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُخَلِّصَنِي، أَوْ قَرِّبُوا عَنِّي قُرْبَانًا، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَقَبَّلَهُ مِنِّي، وَيَرْضَى عَنِّي؟ إِذَا اسْتَيْقَظْتُ تَمَنَّيْتُ النَّوْمَ رَجَاءَ أَنْ أَسْتَرِيحَ، فَإِذَا نِمْتُ كَادَتْ تَجُودُ نَفْسِي. تَقَطَّعَتْ أَصَابِعِي، فَإِنِّي لَأَرْفَعُ اللُّقْمَةَ مِنَ الطَّعَامِ بِيَدِي جَمِيعًا، فَمَا تَبْلُغَانِ فَمِي إِلَّا عَلَى الْجَهْدِ مِنِّي، تَسَاقَطَتْ لَهَوَاتِي، وَنَخَرَ رَأْسِي، فَمَا بَيْنَ أُذُنِي مِنْ سَدَادٍ، حَتَّى إِنَّ إِحْدَاهُمَا لَتُرَى