الْعَظَمَةُ وَاللُّطْفُ، وَلَهُ الْجَلَالُ وَالْقُدْرَةُ؟ إِنْ أَفْسَدْ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يُصْلِحُ؟ وَإِنْ أَعْجَمَ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يُفْصِحُ؟ إِنْ نَظَرَ إِلَى الْبِحَارِ يَبِسَتْ مِنْ خَوْفِهِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا ابْتَلَعَتِ الْأَرْضَ، فَإِنَّمَا يَحْمِلُهَا بِقُدْرَتِهِ هُوَ الَّذِي تَبْهَتُ الْمُلُوكُ عِنْدَ مُلْكِهِ، وَتَطِيشُ الْعُلَمَاءُ عِنْدَ عَلْمِهِ، وَتَعْيَا الْحُكَمَاءُ عِنْدَ حِكْمَتِهِ، وَيَخْسَأُ الْمُبْطِلُونَ عِنْدَ سُلْطَانِهِ. هُوَ الَّذِي يَذْكُرُ الْمَنْسِيَّ، وَيُنْسِي الْمَذْكُورَ، وَيُجْرِي الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ. هَذَا عِلْمِي، وَخَلْقُهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهُ عَقْلِي، وَعَظَمَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقْدُرُهَا مِثْلِي. قَالَ بِلْدَدُ: إِنَّ الْمُنَافِقَ يُجْزَى بِمَا أَسَرَّ مِنْ نِفَاقِهِ، وَتَضِلُّ عَنْهُ الْعَلَانِيَةُ الَّتِي خَادَعَ بِهَا، وَتَوَكَّلَ عَلَى الْجَزَاءِ بِهَا الَّذِي عَمِلَهَا، وَيَهْلِكُ ذِكْرُهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَيُظْلِمُ نُورُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَيُوحِشُ سَبِيلُهُ، وَتُوقِعُهُ فِي الْأُحْبُولَةِ سَرِيرَتُهُ، وَيَنْقَطِعُ اسْمُهُ مِنَ الْأَرْضِ، فَلَا ذِكْرَ فِيهَا وَلَا عِمْرَانَ، لَا يَرِثُهُ وَلَدٌ مُصْلِحُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَا يَبْقَى لَهُ أَصْلٌ يُعْرَفُ بِهِ، وَيَبْهَتُ مَنْ يَرَاهُ، وَتَقِفُ الْأَشْعَارُ عِنْدَ ذِكْرِهِ قَالَ أَيُّوبُ: إِنْ أَكُنْ غَوِيًّا فَعَلَيَّ غَوَايَ، وَإِنْ أَكُنْ بَرِيئًا فَأَيُّ مَنَعَةٍ عِنْدِي؟ إِنْ صَرَخْتُ فَمَنْ ذَا الَّذِي يُصْرِخُنِي؟ وَإِنْ سَكَتُّ فَمَنْ ذَا الَّذِي يُنْذِرُنِي؟ ذَهَبَ رَجَائِي، وَانْقَضَتْ أَحْلَامِي، وَتَنَكَّرَتْ لِي مَعَارِفِي، دَعَوْتُ غُلَامِي فَلَمْ يُجِبْنِي، وَتَضَرَّعْتُ لِأَمَتِي فَلَمْ تَرْحَمْنِي، وَقَعَ عَلَيَّ الْبَلَاءُ فَرَفَضُونِي، أَنْتُمْ كُنْتُمْ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ مُصِيبَتِي. انْظُرُوا وَابْهَتُوا مِنَ الْعَجَائِبِ الَّتِي فِي جَسَدِي أَمَا سَمِعْتُمْ بِمَا أَصَابَنِي؟ وَمَا شَغَلَكُمْ عَنِّي مَا رَأَيْتُمْ بِي؟ لَوْ كَانَ عَبْدٌ يُخَاصِمُ رَبَّهُ، رَجَوْتُ أَنْ أَتَغَلَّبَ عِنْدَ الْحُكْمِ، وَلَكِنَّ لِي رَبًّا جَبَّارًا تَعَالَى فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَأَلْقَانِي هَا هُنَا، وَهُنْتُ عَلَيْهِ، لَا هُوَ عَذَرَنِي