فَقَالُوا: دِرِّيءٌ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨]، وَهُوَ فَعُولٌ، مِنْ عَتَوْتُ عُتُوًّا، ثُمَّ حُوِّلَتْ بَعْضُ ضَمَّاتِهَا إِلَى الْكِسَرِ، فَقِيلَ: عِتِيًّا. فَهُوَ مَذْهَبٌ، وَإِلَّا فَلَا أَعْرِفُ لِصِحَّةِ قِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِعِّيلٌ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: هُوَ لَحْنٌ. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَاتِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ﴿دُرِّيُّ﴾ [النور: ٣٥] بِضَمِّ دَالِهِ، وَتَرْكِ هَمْزِهِ، عَلَى النِّسْبَةِ إِلَى الدُّرِّ، لِأَنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ جَاءُوا. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ قَبْلُ، فَفِي ذَلِكَ مُكْتَفًى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّتِهَا بِغَيْرِهِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: الزُّجَاجَةُ: وَهِيَ صَدْرُ الْمُؤْمِنِ، ﴿كَأَنَّهَا﴾ [النور: ٣٥] يَعْنِي كَأَنَّ الزُّجَاجَةَ، وَذَلِكَ مَثَلٌ لِصَدْرِ الْمُؤْمِنِ، ﴿كَوْكَبٌ﴾ [النور: ٣٥] يَقُولُ فِي صَفَائِهَا وَضِيَائِهَا وَحُسْنِهَا. وَإِنَّمَا يَصِفُ صَدْرَهُ بِالنَّقَاءِ مِنْ كُلِّ رَيْبٍ وَشَكٍّ فِي أَسْبَابِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَبُعْدَهُ مِنْ دَنَسِ الْمَعَاصِي، كَالْكَوْكَبِ الَّذِي يُشْبِهُ الدُّرَّ فِي الصَّفَاءِ وَالضِّيَاءِ وَالْحُسْنِ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (تَوَقَّدَ مِنْ شَجَرَةٍ) بِالتَّاءِ، وَفَتْحِهَا، وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، وَفَتْحِ الدَّالِ. وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى تَوَقُّدِ الْمِصْبَاحِ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْمَدَنِيِّينَ ﴿يُوقَدُ﴾ [النور: ٣٥] بِالْيَاءِ، وَتَخْفِيفِ الْقَافِ، وَرَفْعِ الدَّالِ؛ بِمَعْنَى: يُوقِدُ الْمِصْبَاحُ مُوقِدُهُ مِنْ شَجَرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (تُوقَدُ) بِضَمِّ التَّاءِ، وَتَخْفِيفِ الْقَافِ وَرَفْعِ