الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ، فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ، قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَدَخَلَ﴾ [يوسف: ٣٦] مُوسَى ﴿الْمَدِينَةَ﴾ [الأعراف: ١٢٣] مَدِينَةَ مَنْفَ مِنْ مِصْرَ ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: ١٥] وَذَلِكَ عِنْدَ الْقَائِلَةِ نِصْفَ النَّهَارِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ دَخَلَ مُوسَى هَذِهِ الْمَدِينَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلَهَا مُتَّبِعًا أَثَرَ فِرْعَوْنَ، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ رَكِبَ وَمُوسَى غَيْرُ شَاهِدٍ؛ فَلَمَّا حَضَرَ عَلِمَ بِرُكُوبِهِ فَرَكِبَ وَاتَّبَعَ أَثَرَهُ، وَأَدْرَكَهُ الْمَقُيلُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: " كَانَ مُوسَى حِينَ كَبُرَ يَرْكَبُ مَرَاكِبَ فِرْعَوْنَ، وَيَلْبَسُ مِثْلَ مَا يَلْبَسُ، وَكَانَ إِنَّمَا يُدْعَى مُوسَى بْنَ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ إِنَّ فِرْعَوْنَ رَكِبَ مَرْكَبًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُوسَى؛ فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى قِيلَ لَهُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ رَكِبَ، فَرَكِبَ فِي أَثَرِهِ فَأَدْرَكَهُ الْمَقِيلُ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا مَنْفُ، فَدَخَلَهَا نِصْفَ النَّهَارِ، وَقَدْ تَغَلَّقَتْ أَسْوَاقُهَا، وَلَيْسَ فِي طُرُقِهَا أَحَدٌ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: ١٥] ". -[١٨٤]- وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ دَخَلَهَا مُسْتَخْفِيًا مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ خَالَفَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَعَابَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ.