بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَلْقِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا، وَتَصْنَعُونَ كَذِبًا وَبَاطِلًا. وَإِنَّمَا فِي قَوْلِهِ ﴿إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] مَرْدُودٌ عَلَى إِنَّمَا، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنَّمَا تَفْعَلُونَ كَذَا، وَإِنَّمَا تَفْعَلُونَ كَذَا. وَقَرَأَ جَمِيعُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] بِتَخْفِيفِ الْخَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَتَخْلُقُونَ﴾ [العنكبوت: ١٧] وَضَمِّ اللَّامِ مِنَ الْخَلْقِ. وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ: «وَتُخَلِّقُونَ إِفْكًا» بِفَتْحِ الْخَاءِ، وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنَ التَّخْلِيقِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا﴾ [العنكبوت: ١٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ أَوْثَانَكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا، لَا تَقْدِرُ أَنْ تَرْزُقَكُمْ شَيْئًا ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ [العنكبوت: ١٧] يَقُولُ: فَالْتَمِسُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ لَا مِنْ عِنْدِ أَوْثَانِكُمْ، تُدْرِكُوا مَا تَبْتَغُونَ مِنْ ذَلِكَ ﴿وَاعْبُدُوهُ﴾ [العنكبوت: ١٧] يَقُولُ: وَذِلُّوا لَهُ ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ [العنكبوت: ١٧] عَلَى رِزْقِهِ إِيَّاكُمْ، وَنِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ. يُقَالُ: شَكَرْتُهُ وَشَكَرْتُ لَهُ، وَالثَّانِيَةُ أَفْصَحُ مِنْ شَكَرْتُهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٨] يَقُولُ: إِلَى اللَّهِ تُرَدُّونَ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِكُمْ غَيْرَهُ، وَأَنْتُمْ عِبَادُهُ وَخَلْقُهُ، وَفِي نِعَمِهِ -[٣٧٦]- تَتَقَلَّبُونَ، وَرِزْقَهُ تَأْكُلُونَ.