يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَتَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَتُعَلَّمُهُ. ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل: ٦] يَقُولُ: مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ، عَلِيمٍ بِأَنْبَاءِ خَلْقِهِ وَمَصَالِحِهِمْ وَالْكَائِنِ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَالْمَاضِي مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَالْحَادِثِ مِنْهَا. ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى﴾ [النمل: ٧] وَإِذْ مِنْ صِلَةِ عَلِيمٍ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: عَلِيمٌ حِينَ قَالَ مُوسَى ﴿لِأَهْلِهِ﴾ [طه: ١٠] وَهُوَ فِي مَسِيرِهِ مِنْ مَدْيَنَ إِلَى مِصْرَ، وَقَدْ آذَاهُمْ بَرْدُ لَيْلِهِمْ لَمَّا أَصْلَدَ زَنْدُهُ: ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ [طه: ١٠] أَيْ أَبْصَرْتُ نَارًا أَوْ أَحْسَسْتُهَا، فَامْكُثُوا مَكَانَكُمْ. ﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾ [النمل: ٧] يَعْنِي مِنَ النَّارِ، وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ مِنْ ذِكْرِ النَّارِ.
﴿أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ [النمل: ٧] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (بِشِهَابِ قَبَسٍ) بِإِضَافَةِ الشِّهَابِ إِلَى الْقَبَسِ وَتَرْكِ التَّنْوِينِ، بِمَعْنَى: أَوْ آتِيكُمْ بِشُعْلَةِ نَارٍ أَقْتَبِسُهَا مِنْهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ [النمل: ٧] بِتَنْوِينِ الشِّهَابِ وَتَرْكِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْقَبَسِ، يَعْنِي: أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ مُقْتَبَسٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِذَا جُعِلَ الْقَبَسُ بَدَلًا مِنَ الشِّهَابِ فَالتَّنْوِينُ فِي الشِّهَابِ، وَإِنْ أَضَافَ الشِّهَابَ إِلَى الْقَبَسِ، لَمْ يُنَوَّنِ الشِّهَابُ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِذَا أُضِيفَ الشِّهَابُ إِلَى الْقَبَسِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ