قَالَ أَبُوجَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [البقرة: ٩٧] وَهُوَ يَعْنِي بِذَلِكَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَمَرَ مُحَمَّدًا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ أَنْ يُخْبِرَ الْيَهُودَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِي. وَلَوْ قِيلَ: عَلَى قَلْبِي، كَانَ صَوَابًا مِنَ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِذَا أَمَرَتْ رَجُلًا أَنْ يَحْكِيَ مَا قِيلَ لَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ تُخْرِجَ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مَرَّةً مُضَافًا إِلَى كِنَايَةِ نَفْسِ الْمُخْبِرِ عَنْ نَفْسِهِ، إِذْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَرَّةً مُضَافًا إِلَى اسْمِهِ كَهَيْئَةِ كِنَايَةِ اسْمِ الْمُخَاطَبِ لِأَنَّهُ بِهِ مُخَاطَبٌ؛ فَتَقُولُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ: قُلْ لِلْقَوْمِ إِنَّ الْخَيْرَ عِنْدِي كَثِيرٌ، فَتُخْرِجُ كِنَايَةَ اسْمِ الْمُخْبِرِ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ. وَقُلْ لِلْقَوْمِ: إِنَّ الْخَيْرَ عِنْدَكَ كَثِيرٌ فَتُخْرِجُ كِنَايَةَ اسْمِهِ كَهَيْئَةِ كِنَايَةِ اسْمِ الْمُخَاطَبِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِقِيلِ ذَلِكَ فَهُوَ مُخَاطَبٌ مَأْمُورٌ بِحِكَايَةِ مَا قِيلَ لَهُ. وَكَذَلِكَ: " لَا تَقُلْ لِلْقَوْمِ: إِنِّي قَائِمٌ وَلَا تَقُلْ لَهُمْ: إِنَّكَ قَائِمٌ، وَالْيَاءُ مِنْ إِنَّي اسْمُ الْمَأْمُورِ بَقَوْلِ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَيُغْلَبُونَ) وَتُغْلَبُونَ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ. وَأَمَّا جِبْرِيلُ، فَإِنَّ لِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَاتٍ. فَأَمَّا أَهْلُ الْحِجَازِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ جِبْرِيلُ وَمِيكَالُ بِغَيْرِ هَمْزٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ مِنْ جِبْرِيلَ وَبِالتَّخْفِيفِ؛ وَعَلَى الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ.


الصفحة التالية
Icon