بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ. وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ «تُنْسَهَا» (أَوْ تَنْسَهَا) لِشُذُوذِهَا وَخُرُوجِهَا عَنِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الْحُجَّةُ مِنْ قُرَّاءِ الْأُمَّةِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ نُنْسِهَا﴾ [البقرة: ١٠٦] بِالصَّوَابِ مَنْ قَرَأَ: ﴿أَوْ نُنْسِهَا﴾ [البقرة: ١٠٦] بِمَعْنَى نَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَهْمَا بَدَّلَ حُكْمًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ لَمْ يُبَدِّلْهُ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ، فَهُوَ آتِيهِ بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ بِمِثْلِهِ. فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْآيَةِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهَا، أَنْ يَكُونَ إِذْ قَدِمَ الْخَبَرُ عَمَّا هُوَ صَانِعٌ إِذَا هُوَ غَيَّرَ وَبَدَّلَ حُكْمَ آيَةٍ أَنْ يُعَقِّبَ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ عَمَّا هُوَ صَانِعٌ، إِذَا هُوَ لَمْ يُبَدِّلْ ذَلِكَ وَلَمْ يُغَيِّرْ. فَالْخَبَرُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾ [البقرة: ١٠٦] قَوْلُهُ: أَوْ نَتْرُكُ نَسْخَهَا، إِذْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ الْجَارِي فِي كَلَامِ النَّاسِ. مَعَ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ، فَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى الْإِنْسَاءِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّرْكِ، وَمَعْنَى النَّسَاءِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ، إِذْ كَانَ كُلُّ مَتْرُوكٍ فَمُؤَخَّرٌ عَلَى حَالِ مَا هُوَ مَتْرُوكٌ. وَقَدْ أَنْكَرَ قَوْمٌ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: «أَوْ تُنْسَهَا» إِذَا عُنِيَ بِهِ النِّسْيَانُ، وَقَالُوا: غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا مِمَّا لَمْ يُنْسَخْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَسِيَ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ ذَكَرَهُ. قَالُوا: وَبَعْدُ، فَإِنَّهُ لَوْ نَسِيَ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ قَرَءُوهُ وَحَفِظُوهُ مِنْ أَصْحَابِهِ بِجَائِزٍ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَنْ يَنْسَوْهُ. قَالُوا: وَفِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٨٦] مَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ