قَالَ: وَلَيْسَ قَوْلِهِ: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ [البقرة: ١٠٨] عَلَى الشَّكِّ؛ وَلَكِنَّهُ قَالَهُ لِيُقَبِّحَ لَهُ صَنِيعَهُمْ. وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الْأَخْطَلِ:
[البحر الكامل]
كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ | غَلَسَ الظَّلَامِ مِنَ الرَّبَابِ خَيَالَا |
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ: إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ قَوْلَهُ:
﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ [البقرة: ١٠٨] اسْتِفْهَامًا عَلَى كَلَامٍ قَدْ سَبَقَهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:
﴿الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [السجدة: ٢] فَجَاءَتْ
«أَمْ» وَلَيْسَ قَبْلَهَا اسْتِفْهَامٌ. فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ مُبْتَدَأٌ عَلَى كَلَامٍ سَبَقَهُ. وَقَالَ قَائِلٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ:
«أَمْ» فِي الْمَعْنَى تَكُونُ رَدًّا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ عَلَى جِهَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: أَنْ تَعْرِفَ مَعْنَى
«أَيْ»، وَالْأُخْرَى أَنْ يُسْتَفْهَمَ بِهَا، وَيَكُونُ عَلَى جِهَةِ النَّسَقِ، وَالَّذِي يُنْوَى بِهِ الِابْتِدَاءَ؛ إِلَّا أَنَّهُ ابْتِدَاءٌ مُتَّصِلٌ بِكَلَامٍ، فَلَوْ ابْتَدَأْتَ كَلَامًا لَيْسَ قَبْلَهُ كَلَامٌ ثُمَّ اسْتَفْهَمْتَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِالْأَلِفِ أَوْ بِـ
«هَلْ». قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي قَوْلِهِ:
﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ [البقرة: ١٠٨] قَبْلَهُ اسْتِفْهَامٌ، فَرَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي قَوْلِهِ:
﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ١٠٦]. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ مُبْتَدَأٌ بِمَعْنَى: أَتُرِيدُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ؟ وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُسْتَفْهَمَ الْقَوْمُ بِـ
«أَمْ» وَإِنْ كَانَتْ
«أَمْ» أَحَدُ شُرُوطِهَا أَنْ تَكُونَ نَسَقًا