فِي الِاسْتِفْهَامِ لِتَقَدُّمِ مَا تَقَدَّمَهَا مِنَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ اسْتِفْهَامًا مُبْتَدَأً إِذَا تَقَدَّمَهَا سَابِقٌ مِنَ الْكَلَامِ، وَلَمْ يُسْمَعْ مِنَ الْعَرَبِ اسْتِفْهَامٌ بِهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْهَا كَلَامٌ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [السجدة: ١] وَقَدْ تَكُونُ «أَمْ» بِمَعْنَى «بَلْ» إِذَا سَبَقَهَا اسْتِفْهَامٌ لَا يَصْلُحُ فِيهِ «أَيْ»، فَيَقُولُونَ: هَلْ لَكَ قِبَلَنَا حَقَّ، أَمْ أَنْتَ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ بِالظُّلْمِ؟ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]

فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَسُلْمَى تَغَوَّلَتْ أَمِ الْقَوْمُ أَمْ كُلٌّ إِلَيَّ حَبِيبُ
يَعْنِي: بَلْ كُلٌّ إِلَيَّ حَبِيبٌ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ مُنْكِرًا قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ «أَمْ» فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ [البقرة: ١٠٨] اسْتِفْهَامٌ مُسْتَقْبَلٌ مُنْقَطِعٌ مِنَ الْكَلَامِ يَمِيلُ بِهَا إِلَى أَوَّلِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ خَبَرٌ وَالثَّانِيَ اسْتِفْهَامٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ لَا يَكُونُ فِي الْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ لَا يَكُونُ فِي الِاسْتِفْهَامِ؛ وَلَكِنْ أَدْرَكَهُ الشَّكُّ بِزَعْمِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْخَبَرِ، فَاسْتَفْهَمْ. فَإِذَا كَانَ مَعْنَى «أَمْ» مَا وَصَفْنَا، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: أَتُرِيدُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ مِنَ الْأَشْيَاءِ نَظِيرَ مَا سَأَلَ قَوْمٌ مُوسَى مِنْ قِبَلِكُمْ، فَتَكْفُرُوا إِنْ مَنَعْتُمُوهُ فِي مَسْأَلَتِكُمْ مَا لَا يَجُوزُ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ إِعْطَاؤُكُمُوهُ، أَوْ أَنْ تَهْلِكُوا، إِنْ كَانَ


الصفحة التالية
Icon