حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص: ٢١] قَالَ: " كَانَ دَاوُدُ قَدْ قَسَمَ الدَّهْرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: يَوْمٌ يَقْضِي فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَوْمٌ يَخْلُو فِيهِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَيَوْمٌ يَخْلُو فِيهِ لِنِسَائِهِ؛ وَكَانَ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً، وَكَانَ فِيمَا يَقْرَأُ مِنَ الْكُتُبِ أَنَّهُ كَانَ يَجِدْ فِيهِ فَضْلَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ؛ فَلَمَّا وَجَدَ ذَلِكَ فِيمَا يَقْرَأُ مِنَ الْكُتُبِ قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ قَدْ ذَهَبَ بِهِ آبَائِي الَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي، فَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُمْ، وَافْعَلْ بِي مِثْلَ مَا فَعَلْتَ بِهِمْ، قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّ آبَاءَكَ ابْتُلُوا بِبَلَايَا لَمْ تُبْتَلَ بِهَا؛ ابْتُلِيَ إِبْرَاهِيمُ بِذَبْحِ ابْنِهِ، وَابْتُلِيَ إِسْحَاقُ بِذِهَابِ بَصَرِهِ، وَابْتُلِيَ يَعْقُوبُ بِحُزْنِهِ عَلَى يُوسُفَ، وَإِنَّكَ لَمْ تُبْتَلَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، قَالَ: يَا رَبِّ ابْتَلِنِي بِمِثْلِ مَا ابْتَلَيْتَهُمْ بِهِ، وَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُمْ؛ قَالَ: فَأُوحِيَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ مُبْتَلًى فَاحْتَرِسْ؛ قَالَ: فَمَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، إِذْ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ قَدْ تَمَثَّلَ فِي صُورَةِ حَمَامَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، حَتَّى وَقَعَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَمَدَّ يَدَهُ لِيَأْخُذَهُ، -[٦٧]- فَتَنَحَّى فَتَبِعَهُ، فَتَبَاعَدَ حَتَّى وَقَعَ فِي كَوَّةٍ، فَذَهَبَ لِيَأْخُذَهُ، فَطَارَ مِنَ الْكُوَّةِ، فَنَظَرَ أَيْنَ يَقَعُ، فَيَبْعَثُ فِي أَثْرِهِ قَالَ: فَأَبْصَرَ امْرَأَةً تَغْتَسِلُ عَلَى سَطْحٍ لَهَا، فَرَأَى امْرَأَةً مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ خَلْقًا، فَحَانَتْ مِنْهَا الْتِفَاتَةٌ فَأَبْصَرَتْهُ، فَأَلْقَتْ شَعَرَهَا فَاسْتَتَرْتُ بِهِ، قَالَ: فَزَادَهُ ذَلِكَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَسَأَلَ عَنْهَا، فَأُخْبِرَ أَنَّ لَهَا زَوْجًا، وَأَنَّ زَوْجَهَا غَائِبٌ بِمُسَلَّحَةِ كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى صَاحِبِ الْمُسَلَّحَةِ أَنْ يَبْعَثَ أُهْرِيَا إِلَى عَدُوِّ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَبَعَثَهُ، فَفَتَحَ لَهُ. قَالَ: وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَيْضًا: أَنِ ابْعَثْهُ إِلَى عَدُوِّ كَذَا وَكَذَا، أَشَدُّ مِنْهُمْ بَأْسًا، قَالَ: فَبَعَثَهُ فَفَتَحَ لَهُ أَيْضًا قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى دَاوُدَ بِذَلِكَ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ ابْعَثْهُ إِلَى عَدُوِّ كَذَا وَكَذَا، فَبَعَثَهُ فَقُتِلَ الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ، قَالَ: وَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: لَمْ تَلْبَثْ عِنْدَهُ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مَلَكَيْنِ فِي صُورَةِ إِنْسِيَّيْنِ، فَطَلَبَا أَنْ يَدْخُلَا عَلَيْهِ، فَوَجَدَاهُ فِي يَوْمِ عِبَادَتِهِ، فَمَنَعَهُمَا الْحَرَسُ أَنْ يَدْخُلَا، فَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِ الْمِحْرَابَ، قَالَا: فَمَا شَعَرَ وَهُوَ يُصَلِّي إِذْ هُوَ بِهِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ جَالِسَيْنِ، قَالَ: فَفَزِعَ مِنْهُمَا، فَقَالَا: ﴿لَا تَخَفْ﴾ [ص: ٢٢] إِنَّمَا نَحْنُ ﴿خَصْمَانِ بَغَى بُعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ﴾ [ص: ٢٢] يَقُولُ: لَا تَحِفْ ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢] إِلَى عَدْلِ الْقَضَاءِ. قَالَ: فَقَالَ: قُصَا عَلَيَّ قِصَّتَكُمَا، قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ [ص: ٢٣] فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ نَعْجَتِي، فَيُكَمِّلَ بِهَا نِعَاجَهُ مِائَةً قَالَ: فَقَالَ لِلْآخَرِ: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: إِنَّ لِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ نَعْجَةً، وَلِأَخِي هَذَا نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ آخُذَهَا مِنْهُ، فَأُكْمِلَ بِهَا نِعَاجِي مِائَةً، قَالَ: -[٦٨]- وَهُوَ كَارِهٌ؟ قَالَ: وَهُوَ كَارِهٌ، قَالَ: وَهُوَ كَارِهٌ؟ قَالَ: إِذَنْ لَا نَدَعُكَ وَذَاكَ، قَالَ: مَا أَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِقَادِرٍ، قَالَ: فَإِنْ ذَهَبْتَ تَرُومُ ذَلِكَ أَوْ تُرِيدُ، ضَرَبْنَا مِنْكَ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، وَفَسَّرَ أَسْبَاطٌ طَرَفَ الْأَنْفِ، وَأَصْلَ الْأَنْفِ وَالْجَبْهَةَ؛ قَالَ: يَا دَاوُدُ أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يُضْرَبَ مِنْكَ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، حَيْثُ لَكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً امْرَأَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِأَهْرِيَا إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ تُعَرِّضُهُ لِلْقَتْلِ حَتَّى قَتَلْتَهُ، وَتَزَوَّجْتَ امْرَأَتَهُ قَالَ: فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَعَرَفَ مَا قَدْ وَقَعَ فِيهِ، وَمَا قَدِ ابْتُلِيَ بِهِ. قَالَ: فَخْرَ سَاجِدًا، قَالَ: فَبَكَى. قَالَ: فَمَكَثَ يَبْكِي سَاجِدًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ مِنْهَا، ثُمَّ يَقَعُ سَاجِدًا يَبْكِي، ثُمَّ يَدْعُو حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ مِنْ دُمُوعِ عَيْنَيْهِ قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا: يَا دَاوُدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ غَفَرْتَ لِي وَأَنْتَ حَكَمٌ عَدْلٌ لَا تَحِيفُ فِي الْقَضَاءِ، إِذَا جَاءَكَ أُهْرِيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا فِي قِبَلِ عَرْشِكَ يَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَوْحَى إِلَيْهِ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ دَعَوْتُ أُهْرِيَا فَأَسْتَوْهِبُكَ مِنْهُ، فَيَهِبُكَ لِي، فَأُثِيبُهُ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: رَبِّ الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ قَدْ غَفَرْتَ لِي، قَالَ: فَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَمْلَأَ عَيْنَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ حَتَّى قُبِضَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "