حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: بِأَيِّكُمُ الْجُنُونُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَيُّكُمْ أَوْلَى بِالشَّيْطَانِ؛ فَالْبَاءُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ زِيَادَةُ دُخُولِهَا وَخُرُوجِهَا سَوَاءٌ، وَمَثَّلَ هَؤُلَاءِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]

نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أَصْحَابُ الْفَلَجْ نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَنَرْجُو بِالْفَرَجْ
بِمَعْنَى: نَرْجُو الْفَرَجَ، فَدُخُولُ الْبَاءِ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَخُرُوجُهَا سَوَاءٌ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ يَقُولُ: بِأَيِّكُمُ أَوْلَى بِالشَّيْطَانِ
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ قَالَ: أَيُّكُمْ أَوْلَى بِالشَّيْطَانِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ نَحْوَ اخْتِلَافِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّ الْبَصْرَةِ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ أَيُّكُمُ الْمَفْتُونُ. -[١٥٥]- وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّ الْكُوفَةِ: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ هَاهُنَا، بِمَعْنَى الْجُنُونِ، وَهُوَ فِي مَذْهَبِ الْفُتُونِ، كَمَا قَالُوا: لَيْسَ لَهُ مَعْقُولٌ وَلَا مَعْقُودٌ؛ قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ بِأَيِّكُمُ فِي أَيِّكُمْ فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ الْمَجْنُونُ؛ قَالَ: وَهُوَ حِينَئِذٍ اسْمٌ لَيْسَ بِمَصْدَرٍ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: بِأَيِّكُمُ الْجُنُونُ، وَوَجَّهَ الْمَفْتُونَ إِلَى الْفُتُونِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِي الْكَلَامِ، إِذَا لَمْ يَنْوِ إِسْقَاطَ الْبَاءِ، وَجَعَلْنَا لِدُخُولِهَا وَجْهًا مَفْهُومًا. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَا مَعْنَى لَهُ


الصفحة التالية