وَقَوْلُهُ: ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الإنسان: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَجَعَلْنَاهُ ذَا سَمْعٍ يَسْمَعُ بِهِ، وَذَا بَصَرٍ يُبْصِرُ بِهِ، إِنْعَامًا مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ بِذَلِكَ، وَرَأْفَةً مِنْهُ لَهُمْ، وَحُجَّةً لَهُ عَلَيْهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا﴾ [الإنسان: ٤] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ [الإنسان: ٣] إِنَّا بَيَّنَّا لَهُ طَرِيقَ الْجَنَّةِ، وَعَرَّفْنَاهُ سَبِيلَهُ، إِنْ شَكَرَ، أَوْ كَفَرَ. وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، كَانَتْ إِمَّا وَإِمَّا فِي مَعْنَى الْجَزَاءِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ﴿إِمَّا﴾ [الأعراف: ٣٥] وَإِمَّا بِمَعْنَى وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ: ﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٦] فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٣] حَالًا مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي هَدَيْنَاهُ؛ فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا وُجِّهَ ذَلِكَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ، إِمَّا شَقِيًّا وَإِمَّا سَعِيدًا. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّ الْبَصْرَةِ يَقُولُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ: ﴿إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ [مريم: ٧٥] كَأَنَّكَ لَمْ تَذْكُرْ إِمَّا؛ قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ ابْتَدَأْتَ مَا بَعْدَهَا فَرَفَعْتَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، -[٥٣٨]- قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ [الإنسان: ٣] قَالَ: الشِّقْوَةَ وَالسَّعَادَةَ