ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [الفيل: ٤] قَالَ: " السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: وَالسَّمَاءُ الدُّنْيَا اسْمُهَا سِجِّيلٌ، وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ "
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، أَنَّهُ " بَلَغَهُ أَنَّ الطَّيْرَ الَّتِي رَمَتْ بِالْحِجَارَةِ، أَنَّهَا طَيْرٌ تَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ، وَأَنَّ سِجِّيلَ: السَّمَاءُ الدُّنْيَا " وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ لَا نَعْرِفُ لِصِحَّتِهِ وَجْهًا فِي خَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ، وَلَا لُغَةٍ، وَأَسْمَاءُ الْأَشْيَاءِ لَا تُدْرَكُ إِلَّا مِنْ لُغَةِ سَائِرِةِ، أَوْ خَبَرٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَكَانَ السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ حَلَّتْ عُقُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، مَسِيرَ أَبْرَهَةَ الْحَبَشِيِّ بِجُنْدِهِ مَعَهُ الْفِيلُ، إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لِتَخْرِيبِهِ. وَكَانَ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى ذَلِكَ فِيمَا:
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ: " أَنَّ أَبْرَهَةَ بَنَى كَنِيسَةً بِصَنْعَاءَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَسَمَّاهَا الْقُلَّيْسَ؛ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا فِي زَمَانِهَا بِشَيْءٍ مِنَ الْأَرْضِ؛ وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ -[٦٣٦]- مَلِكِ الْحَبَشَةِ: إِنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كَنِيسَةً، لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكٍ كَانَ قَبْلَكَ، وَلَسْتُ بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِفَ إِلَيْهَا حَاجَّ الْعَرَبِ. فَلَمَّا تَحَدَّثَتِ الْعَرَبُ بِكِتَابِ أَبْرَهَةَ ذَلِكَ لِلنَّجَاشِيٍّ، غَضِبَ رَجُلٌ مِنَ النَّسَأَةِ أَحَدُ بَنِي فُقَيْمٍ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي مَلِكٍ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْقُلَّيْسَ، فَقَعَدَ فِيهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَلَحِقَ بِأَرْضِهِ، فَأُخْبِرَ أَبْرَهَةُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: مَنْ صَنَعَ هَذَا؟ فَقِيلَ: صَنَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي تَحُجُّ الْعَرَبُ إِلَيْهِ بِمَكَّةَ، لَمَّا سَمِعَ مِنَ قَوْلِكَ: أَصْرِفُ إِلَيْهِ حَاجَّ الْعَرَبِ، فَغَضِبَ، فَجَاءَ فَقَعَدَ فِيهَا، أَيْ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِذَلِكَ بِأَهْلٍ؛ فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ، وَحَلَفَ لَيَسِيرَنَّ إِلَى الْبَيْتِ فَيَهْدِمَهُ، وَعِنْدَ أَبْرَهَةَ رِجَالٌ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ قَدِمُوا عَلَيْهِ يَلْتَمِسُونَ فَضْلَهُ، مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ خُزَاعِيِّ بْنِ حُزَابَةَ الذَّكْوَانِيُّ، ثُمَّ السُّلَمِيُّ، فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ، مَعَهُ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ قَيْسُ بْنُ خُزَاعِيِّ؛ فَبَيْنَمَا هُمْ عِنْدَهُ، غَشِيَهُمْ عَبْدٌ لِأَبْرَهَةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فِيهِ بِغِذَائِهِ، وَكَانَ يَأْكُلُ الْخُصَى؛ فَلَمَّا أَتَى الْقَوْمَ بِغِذَائِهِ، قَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ أَكَلْنَا هَذَا لَا تَزَالُ تَسُبُّنَا بِهِ الْعَرَبُ مَا بَقِينَا، فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ خُزَاعِيٍّ، فَجَاءَ أَبْرَهَةَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ لَنَا، لَا نَأْكُلُ فِيهِ إِلَّا الْجُنُوبَ وَالْأَيْدِي، فَقَالَ لَهُ أَبْرَهَةُ: فَسَنَبْعَثُ إِلَيْكُمْ مَا أَحْبَبْتُمْ، فَإِنَّمَا أَكْرَمْتُكُمْ بِغِذَائِي، لِمَنْزِلَتِكُمْ عِنْدِي. ثُمَّ إِنَّ أَبْرَهَةَ تَوَّجَ مُحَمَّدَ بْنَ خُزَاعِيٍّ، وَأَمَّرَهُ عَلَى مُضَرَ، أَنْ يَسِيرَ فِي النَّاسِ، يَدْعُوهُمْ إِلَى حَجِّ الْقُلَّيْسِ، كَنَيسَتِهِ الَّتِي بَنَاهَا، فَسَارَ مُحَمَّدُ بْنُ خُزَاعِيٍّ، حَتَّى إِذَا نَزَلَ بِبَعْضِ أَرْضِ بَنِي كِنَانَةَ، وَقَدْ بَلَغَ أَهْلَ تِهَامَةَ أَمْرُهُ، وَمَا جَاءَ لَهُ، بَعَثُوا إِلَيْهِ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُ عُرْوَةُ بْنُ حِيَاضٍ الْمِلَاصِيُّ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ؛ وَكَانَ مَعَ -[٦٣٧]- مُحَمَّدِ بْنِ خُزَاعِيٍّ أَخُوهُ قَيْسُ بْنُ خُزَاعِيٍّ، فَهَرَبَ حِينَ قُتِلَ أَخُوهُ، فَلَحِقَ بِأَبْرَهَةَ فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِهِ، فَزَادَ ذَلِكَ أَبْرَهَةَ غَضَبًا وَحِنْقًا، وَحَلَفَ لَيَغْزُوَنَّ بَنِي كِنَانَةَ، وَلَيَهْدِمَنَّ الْبَيْتَ. ثُمَّ إِنَّ أَبْرَهَةَ حِينَ أَجْمَعَ السَّيْرَ إِلَى الْبَيْتِ، أَمَرَ الْحُبْشَانَ فَتَهَيَّأَتْ وَتَجَهَّزَتْ، وَخَرَجَ مَعَهُ بِالْفِيلِ، وَسَمِعَتِ الْعَرَبُ بِذَلِكَ، فَأَعْظَمُوهُ، وَفَظِعُوا بِهِ، وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقًّا عَلَيْهِمْ، حِينَ سَمِعُوا أَنَّهُ يُرِيدُ هَدْمَ الْكَعْبَةِ، بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ كَانَ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمُلُوكِهِمْ، يُقَالُ لَهُ ذُو نَفْرٍ، فَدَعَا قَوْمَهُ وَمَنْ أَجَابَهُ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ، إِلَى حَرْبِ أَبْرَهَةَ، وَجِهَادِهِ عَنْ بَيْتِ اللَّهِ، وَمَا يُرِيدُ مِنْ هَدْمِهِ وَإِخْرَابِهِ، فَأَجَابَهُ مَنْ أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَعَرَضَ لَهُ، وَقَاتَلَهُ، فَهُزِمَ وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، وَأُخِذَ لَهُ ذُو نَفْرٍ أَسِيرًا؛ فَلَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ، قَالَ ذُو نَفْرٍ: أَيُّهَا الْمَلِكُ لَا تَقْتُلْنِي، فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَائِي مَعَكَ خَيْرًا لَكَ مِنْ قَتْلِي؛ فَتَرَكَهُ مِنَ الْقَتْلِ، وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ فِي وَثَاقٍ. وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا. ثُمَّ مَضَى أَبْرَهَةُ عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ يُرِيدُ مَا خَرَجَ لَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَرْضِ خَثْعَمَ، عَرَضَ لَهُ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيُّ فِي قَبِيلَيْ خَثْعَمَ: شَهْرَانِ، وَنَاهِسٍ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ، وَأُخِذَ لَهُ أَسِيرًا، فَأُتِيَ بِهِ؛ فَلَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ، قَالَ لَهُ نُفَيْلٌ: أَيُّهَا الْمَلِكُ لَا تَقْتُلْنِي، فَإِنِّي دَلِيلُكَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَهَاتَانِ يَدَايَ لَكَ عَلَى قَبِيلَيْ خَثْعَمَ شَهْرَانَ، وَنَاهِسٍ، بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ؛ فَأَعْفَاهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَخَرَجَ بِهِ -[٦٣٨]- مَعَهُ، يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ؛ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِالطَّائِفِ، خَرَجَ إِلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبٍ فِي رِجَالِ ثَقِيفٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّمَا نَحْنُ عُبَيْدُكَ، سَامِعُونَ لَكَ مُطِيعُونَ، لَيْسَ لَكَ عِنْدَنَا خِلَافٌ، وَلَيْسَ بَيْتُنَا هَذَا بِالْبَيْتِ الَّذِي تُرِيدُ، يَعْنُونَ اللَّاتَ، إِنَّمَا تُرِيدُ الْبَيْتَ الَّذِي بِمَكَّةَ، يَعْنُونَ الْكَعْبَةَ، وَنَحْنُ نَبْعَثُ مَعَكَ مَنْ يَدُلُّكُ، فَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ، وَبَعَثُوا مَعَهُمْ أَبَا رِغَالٍ؛ فَخَرَجَ أَبْرَهَةُ وَمَعَهُ أَبُو رِغَالٍ حَتَّى أَنْزَلَهُ الْمُغَمِّسَ، فَلَمَّا أَنْزَلَهُ بِهِ مَاتَ أَبُو رِغَالٍ هُنَاكَ، فَرَجَمَتِ الْعَرَبُ قَبْرَهُ، فَهُوَ الْقَبْرُ الَّذِي تَرْجُمُ النَّاسُ بِالْمُغَمِّسِ. وَلَمَّا نَزَلَ أَبْرَهَةُ الْمُغَمِّسَ، بَعَثَ رَجُلًا مِنَ الْحَبَشَةِ، يُقَالُ لَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودٍ، عَلَى خَيْلٍ لَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَّةَ، فَسَاقَ إِلَيْهِ أَمْوَالَ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، وَأَصَابَ فِيهَا مِائَتَيْ بَعِيرٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا؛ وَهَمَّتْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَهُذَيْلٌ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ بِالْحَرَمِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ بِقِتَالِهِ، ثُمَّ عَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ، فَتَرَكُوا ذَلِكَ، وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ حُنَاطَةَ الْحِمْيَرِيَّ إِلَى مَكَّةَ، وَقَالَ لَهُ: سَلْ عَنْ سَيِّدِ هَذَا الْبَلَدِ وَشَرِيفِهِمْ، ثُمَّ قُلْ لَهُ: إِنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لَمْ آتِ لِحَرْبِكُمْ، إِنَّمَا جِئْتُ لِهَدْمِ الْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضُوا دُونَهُ بِحَرْبٍ فَلَا حَاجَةَ لِي بِدِمَائِكُمْ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ حَرْبِي فَأْتِنِي بِهِ. فَلَمَّا دَخَلَ حُنَاطَةُ مَكَّةَ، سَأَلَ عَنْ سَيِّدِ قُرَيْشٍ وَشَرِيفِهَا، فَقِيلَ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ، فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبْرَهَةُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: وَاللَّهِ مَا نُرِيدُ حَرْبَهُ، وَمَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْ طَاقَةٍ؛ هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ، -[٦٣٩]- وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ كَمَا قَالَ، فَإِنْ يَمْنَعْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ، وَإِنْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَوَاللَّهِ مَا عِنْدَنَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ عَنْهُ، أَوْ كَمَا قَالَ؛ فَقَالَ لَهُ حُنَاطَةُ: فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَلِكِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِكَ. فَانْطَلَقَ مَعَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَمَعَهُ بَعْضُ بَنِيهِ، حَتَّى أَتَى الْعَسْكَرَ، فَسَأَلَ عَنْ ذِي نَفْرٍ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا، فَدُلَّ عَلَيْهِ، فَجَاءَهُ وَهُوَ فِي مَحْبَسِهِ، فَقَالَ: يَا ذَا نَفْرٍ، هَلْ عِنْدَكَ غَنَاءٌ فِيمَا نَزَلَ بِنَا؟ فَقَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا: وَمَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ فِي يَدَيْ مَلِكٍ، يَنْتَظِرُ أَنْ يَقْتُلَهُ غُدُوًّا أَوْ عَشِيًّا؟ مَا عِنْدِي غَنَاءٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا نَزَلَ بِكَ، إِلَّا أَنَّ أُنَيْسًا سَائِقَ الْفِيلِ لِي صَدِيقٌ، فَسَأُرْسِلُ إِلَيْهِ، فَأُوصِيهِ بِكَ، وَأُعْظِمُ عَلَيْهِ حَقَّكَ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ لَكَ عَلَى الْمَلِكِ، فَتُكَلِّمَهُ بِمَا تُرِيدُ، وَيَشْفَعُ لَكَ عِنْدَهُ بِخَيْرٍ، إِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: حَسْبِي، فَبَعَثَ ذُو نَفْرٍ إِلَى أُنَيْسٍ، فَجَاءَ بِهِ، فَقَالَ: يَا أُنَيْسُ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَيِّدُ قُرَيْشٍ، وَصَاحِبُ عِيرِ مَكَّةَ، يُطْعِمُ النَّاسَ بِالسَّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَقَدْ أَصَابَ الْمَلِكُ لَهُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ، فَاسْتَأْذِنْ لَهُ عَلَيْهِ، وَانْفَعْهُ عِنْدَهُ بِمَا اسْتَطَعْتَ، فَقَالَ: أَفْعَلُ. فَكَلَّمَ أُنَيْسٌ أَبْرَهَةَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ بِبَابِكَ، يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ، وَهُوَ صَاحِبُ عِيرِ مَكَّةَ، يُطْعِمُ النَّاسَ بِالسَّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَأْذَنْ لَهُ عَلَيْكَ، فَلْيُكَلِّمْكَ بِحَاجَتِهِ، وَأَحْسِنْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ أَبْرَهَةُ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَجُلًا عَظِيمًا وَسِيمًا جَسِيمًا؛ فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلَّهُ وَأَكْرَمَهُ أَنْ يَجْلِسَ تَحْتَهُ، وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ الْحَبَشَةُ يُجْلِسَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ، فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ عَلَى -[٦٤٠]- بِسَاطِهِ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ إِلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ مَا حَاجَتُكَ إِلَى الْمَلِكِ؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ التَّرْجُمَانُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: حَاجَتِي إِلَى الْمَلِكِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي؛ فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ أَبْرَهَةُ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: قَدْ كُنْتَ أَعْجَبَتْنِي حِينَ رَأَيْتُكَ، ثُمَّ زَهِدْتُ فِيكَ حِينَ كَلَّمْتَنِي، أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا لَكَ، وَتَتْرُكَ بَيْتًا هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ، قَدْ جِئْتُ لِهَدْمِهِ فَلَا تُكَلِّمُنِي فِيهِ؟ قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُ