حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا حِزَامٌ الْقُطَعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، يَقُولُ: «مَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ شَكَّ أَنَّ عَمْرَةً فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ» وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بِاسْتِيعَابِ ذِكْرِهِ الْكِتَابُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قِيلَ مَنْ قَالَ: وَقْتُ الْحَجِّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَوَامِلُ، أَنَّهُنَّ مِنْ غَيْرِ شُهُورِ الْعُمْرَةِ، وَأَنَّهُنَّ شُهُورٌ لِعَمَلِ الْحَجِّ دُونَ عَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُ الْحَجِّ إِنَّمَا يُعْمَلُ فِي بَعْضِهِنَّ لَا فِي جَمِيعِهِنَّ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّمَا قَصَدَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧] إِلَى تَعْرِيفِ خَلْقِهِ مِيقَاتَ حَجِّهِمْ، لَا الْخَبَرَ عَنْ وَقْتِ الْعُمْرَةِ. قَالُوا: فَأَمَّا الْعُمْرَةُ، فَإِنَّ السُّنَّةَ كُلَّهَا وَقْتٌ لَهَا، لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي بَعْضِ شُهُورِ الْحَجِّ، ثُمَّ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ خَبَرٌ. قَالُوا: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ عَمَلُ الْحَجِّ يَنْقَضِي وَقْتُهُ بِانْقِضَاءِ الْعَاشِرِ مِنْ أَيَّامِ ذِي الْحِجَّةِ، عَلِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧] إِنَّمَا هُوَ " مِيقَاتُ الْحَجِّ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ. -[٤٥٢]- وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْحَجُّ شَهْرَانِ وَعَشْرٌ مِنَ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ خَبَرٌ عَنْ مِيقَاتِ الْحَجِّ، وَلَا عَمَلَ لِلْحَجِّ يُعْمَلُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ مِنًى، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ جَمِيعَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنِيًا بِهِ جَمِيعُهُ صَحَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ قِيلَ: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧] وَهُوَ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ؟ قِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ لَا تَمْتَنِعُ خَاصَّةً فِي الْأَوْقَاتِ مِنَ اسْتِعْمَالِ مِثْلِ ذَلِكَ، فَتَقُولُ لَهُ: الْيَوْمُ يَوْمَانِ مُنْذُ لَمْ أَرَهُ. وَإِنَّمَا تَعْنِي بِذَلِكَ يَوْمًا وَبَعْضَ آخَرَ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] وَإِنَّمَا يَتَعَجَّلُ فِي يَوْمٍ وَنِصْفٍ. وَقَدْ يَفْعَلُ الْفَاعِلُ مِنْهُمُ الْفِعْلَ فِي السَّاعَةِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ عَامًّا عَلَى السَّنَةِ وَالشَّهْرِ، فَيَقُولُ: زُرْتُهُ الْعَامَ وَأَتَيْتُهُ الْيَوْمَ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ فِعْلَهُ أَخَذَ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ إِلَى آخِرِهِ، وَلَكِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ فَعَلَهُ إِذْ ذَاكَ وَفِي ذَلِكَ الْحِينِ، فَكَذَلِكَ الْحَجُّ أَشْهُرٌ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْحَجُّ شَهْرَانِ وَبَعْضُ آخَرَ. فَمَعْنَى الْآيَةِ إِذًا: مِيقَاتُ حَجِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ، وَهُوَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ