بِكَسْرِ السِّينِ، بِمَعْنَى: دَعْوَتَهُمْ لِلْإِسْلَامِ لَمَّا ارْتَدُّوا، وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ ارْتَدَّتْ كِنْدَةُ مَعَ الْأَشْعَثِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ كَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ، يَقْرَأُ سَائِرَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ (السَّلْمِ) بِالْفَتْحِ سِوَى هَذِهِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَخُصُّهَا بِكَسْرِ سِينِهَا تَوْجِيهًا مِنْهُ لِمَعْنَاهَا إِلَى الْإِسْلَامِ دُونَ مَا سِوَاهَا. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ: ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٨] وَصَرَفْنَا مَعْنَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْآيَةَ مُخَاطَبٌ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَلَنْ يَعْدُوَ الْخِطَابُ إِذْ كَانَ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ الْمُصَدِّقِينَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا مَعْنَى أَنْ يُقَالَ لَهُمْ وَهُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ: ادْخُلُوا فِي صُلْحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُسَالَمَتِهِمْ، لِأَنَّ الْمُسَالَمَةَ، وَالْمُصَالَحَةَ إِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا مَنْ كَانَ حَرْبًا بِتَرْكِ الْحَرْبِ. فَأَمَّا الْمَوَالِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: صَالِحْ فُلَانًا، وَلَا حَرْبَ بَيْنَهُمَا، وَلَا عَدَاوَةَ. أَوْ يَكُونَ خِطَابًا لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنْ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُصَدِّقِينَ بِهِمْ، وَبِمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْمُنْكِرِينَ مُحَمَّدًا، وَنُبُوَّتَهُ، فَقِيلَ لَهُمُ: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ؛ يَعْنِي بِهِ الْإِسْلَامَ لَا الصُّلْحَ. لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا أَمَرَ عِبَادَهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ دَعَاهُمْ دُونَ الْمُسَالَمَةِ، وَالْمُصَالَحَةِ؛ بَلْ نَهَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَنْ دُعَاءِ أَهْلِ الْكُفْرِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾ [محمد: ٣٥] وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بَعْضِ الْأَحْوَالِ إِذَا دَعُوهُ إِلَى الصُّلْحِ ابْتِدَاءَ الْمُصَالَحَةِ، فَقَالَ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١] فَأَمَّا دُعَاؤُهُمْ إِلَى الصُّلْحِ ابْتِدَاءً فَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْقُرْآنِ، فَيَجُوزُ


الصفحة التالية
Icon