النَّهْيِ وَمَوْضِعُهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ جَزْمٌ، غَيْرَ أَنَّهُ حُرِّكَ إِذْ تُرِكَ التَّضْعِيفُ بِأَخَفِّ الْحَرَكَاتِ وَهُوَ الْفَتْحُ، وَلَوْ حُرِّكَ إِلَى الْكَسْرِ كَانَ جَائِزًا إِتْبَاعًا لِحَرَكَةِ لَامِ الْفِعْلِ حَرَكَةَ عَيْنِهِ، وَإِنْ شِئْتَ فَلِأَنَّ الْجَزْمَ إِذَا حُرِّكَ حُرِّكَ إِلَى الْكِسَرِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: «لَا تُضَارُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا» رَفْعٌ وَمَنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَحْتَمِلْ قِرَاءَتُهُ مَعْنَى النَّهْيِ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ بِالْخَبَرِ عَطْفًا بِقَوْلِهِ ﴿لَا تُضَارُّ﴾ [البقرة: ٢٣٣] عَلَى قَوْلِهِ: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٣٣] وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ أَنَّ مَعْنَى مَنْ رَفَعَ لَا تُضَارُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا هَكَذَا فِي الْحُكْمِ، أَنَّهُ لَا تُضَارُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا، أَيْ مَا يَنْبَغِي أَنْ تُضَارَّ، فَلَمَّا حُذِفَتْ «يَنْبَغِي» وَصَارَ «تُضَارُّ» فِي وَضْعِهِ صَارَ عَلَى لَفْظِهِ، وَاسْتُشْهِدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]

عَلَى الْحَكَمِ الْمَأْتِيِّ يَوْمًا إِذَا قَضَى قَضِيَّتَهُ أَنْ لَا يَجُورَ وَيَقْصِدُ
فَزَعَمَ أَنَّهُ رَفَعَ يَقْصِدُ بِمَعْنَى يَنْبَغِي وَالْمَحْكِيُّ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا غَيْرُ الَّذِي قَالَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمْ سَمَاعًا فَتَصْنَعُ مَاذَا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا: فَتُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ مَاذَا؟ فَيَنْصِبُونَهُ بِنِيَّةِ «أَنْ» ؛ وَإِذَا لَمْ يَنْوُوا «أَنْ» وَلَمْ يُرِيدُوهَا، قَالُوا: فَتُرِيدُ


الصفحة التالية
Icon