حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كَانَ دَاوُدُ النَّبِيَّ وَإِخْوَةٌ لَهُ أَرْبَعَةٌ، مَعَهُمْ أَبُوهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَتَخَلَّفَ أَبُوهُمْ وَتَخَلَّفَ مَعَهُ دَاوُدُ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ فِي غَنَمِ أَبِيهِ يَرْعَاهَا لَهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْغَرِهِمْ وَخَرَجَ إِخْوَتُهُ الْأَرْبَعَةُ مَعَ طَالُوتَ، فَدَعَاهُ أَبُوهُ وَقَدْ تَقَارَبَ النَّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ»
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: " وَكَانَ دَاوُدُ فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، رَجُلًا قَصِيرًا أَزْرَقَ قَلِيلَ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَكَانَ طَاهِرَ الْقَلْبِ نَقِيَّهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ إِنَّا قَدْ صَنَعْنَا لِإِخْوَتِكَ زَادًا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَاخْرُجْ بِهِ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا دَفَعْتَهُ إِلَيْهِمْ فَأَقْبِلْ إِلَيَّ سَرِيعًا فَقَالَ: أَفْعَلُ. فَخَرَجَ وَأَخَذَ مَعَهُ مَا حَمَلَ لِإِخْوَتِهِ، وَمَعَهُ مِخْلَاتُهُ الَّتِي يَحْمِلُ فِيهَا الْحِجَارَةَ، وَمِقْلَاعُهُ الَّذِي كَانَ يَرْمِي بِهِ عَنْ غَنَمِهِ. حَتَّى إِذَا فَصَلَ مِنْ عِنْدِ -[٥٠١]- أَبِيهِ، فَمَرَّ بِحَجَرٍ، فَقَالَ: يَا دَاوُدُ خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتِكَ تَقْتُلُ بِي جَالُوتَ، فَإِنِّي حَجَرُ يَعْقُوبَ فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ، وَمَشَى. فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي إِذْ مَرَّ بِحَجَرٍ آخَرَ، فَقَالَ: يَا دَاوُدُ خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتِكَ تَقْتُلُ بِي جَالُوتَ، فَإِنِّي حَجَرُ إِسْحَاقَ فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ، ثُمَّ مَضَى. فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي إِذْ مَرَّ بِحَجَرٍ، فَقَالَ: يَا دَاوُدُ خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتِكَ تَقْتُلُ بِي جَالُوتَ، فَإِنِّي حَجَرُ إِبْرَاهِيمَ فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ. ثُمَّ مَضَى بِمَا مَعَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَوْمِ، فَأَعْطَى إِخْوَتَهُ مَا بُعِثَ إِلَيْهِمْ مَعَهُ. وَسَمِعَ فِيَ الْعَسْكَرِ خَوْضَ النَّاسِ بِذِكْرِ جَالُوتَ، وَعِظَمِ شَأْنِهِ فِيهِمْ، وَبِهَيْبَةِ النَّاسِ إِيَّاهُ، وَمِمَّا يُعَظِّمُونَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتُعَظِّمُونَ مِنْ أَمْرِ هَذَا الْعَدُوِّ شَيْئًا مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَوْ أَرَاهُ لَقَتَلْتُهُ، فَأَدْخِلُونِي عَلَى الْمَلِكِ فَأُدْخِلَ عَلَى الْمَلِكِ طَالُوتَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي أَرَاكُمْ تُعَظِّمُونَ شَأْنَ هَذَا الْعَدُوِّ، وَاللَّهِ إِنِّي لَوْ أَرَاهُ لَقَتَلْتُهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ مَا عِنْدَكَ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ؟ وَمَا جَرَّبْتَ مِنْ نَفْسِكِ؟ قَالَ: قَدْ كَانَ الْأَسَدُ يَعْدُو عَلَى الشَّاةِ مِنْ غَنَمِي، فَأُدْرِكُهُ فَآخُذُ بِرَأْسِهِ، فَأَفُكُ لَحْيَيْهِ عَنْهَا، فَآخُذُهَا مِنْ فِيهِ، فَادْعُ لِي بِدِرْعٍ حَتَّى أُلْقِيَهَا عَلَيَّ فَأُتِيَ بِدِرْعٍ، فَقَذَفَهَا فِي عُنُقِهِ وَمَثُلَ فِيهَا فَمَلَأَ عَيْنَ طَالُوتَ وَنَفْسَهُ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ طَالُوتُ: وَاللَّهِ لَعَسَى اللَّهُ أَنْ يُهْلِكَهُ بِهِ فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَجَعُوا إِلَى جَالُوتَ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ قَالَ دَاوُدُ: أَرُونِي جَالُوتَ فَأَرَوْهُ -[٥٠٢]- إِيَّاهُ عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ لِأُمَّتِهِ؛ فَلَمَّا رَآهُ جَعَلَتِ الْأَحْجَارُ الثَّلَاثَةُ تَوَاثَبُ مِنْ مِخْلَاتِهِ، فَيَقُولُ هَذَا: خُذْنِي وَيَقُولُ هَذَا: خُذْنِي وَيَقُولُ هَذَا: خُذْنِي فَأَخَذَ أَحَدُهَا فَجَعَلَهُ فِي مِقْذَافِهِ، ثُمَّ قَتَلَهُ بِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَصَكَّ بَيْنَ عَيْنَيْ جَالُوتَ فَدَمَغَهُ، وَتَنَكَّسَ عَنْ دَابَّتِهِ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ انْهَزَمَ جُنْدُهُ، وَقَالَ النَّاسُ: قَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ، وَخُلِعَ طَالُوتُ. وَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى دَاوُدَ مَكَانَهُ، حَتَّى لَمْ يُسْمَعْ لِطَالُوتَ بِذِكْرٍ؛ إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى انْصِرَافَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْهُ إِلَى دَاوُدَ، هَمَّ بِأَنْ يَغْتَالَ دَاوُدَ وَأَرَادَ قَتْلَهُ فَصَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَعَنْ دَاوُدَ وَعَرَفَ خَطِيئَتَهُ، وَالْتَمَسَ التَّوْبَةَ مِنْهَا إِلَى اللَّهِ " وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي أَمْرِ طَالُوتَ وَدَاودَ قَوْلٌ خِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا قَبْلُ