ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ، فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ بُسْتَانِهِ مِنْ كِبَرِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ ذُرِّيَّتُهُ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ بُسْتَانِهِ، فَذَهَبَتْ مَعِيشَتُهُ وَمَعِيشَةُ ذُرِّيَّتِهِ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرٍ، يَقُولُ: يَلْقَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَى خَيْرٍ يُصِيبُهُ، فَلَا يَجِدُ لَهُ عِنْدِي خَيْرًا وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا " وَإِنَّمَا دَلَّلْنَا أَنَّ الَّذِيَ هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ تَقَدَّمَ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمَنِّ وَالْأَذَى فِي صَدَقَاتِهِمْ، ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا لِمَنْ مَنَّ وَآذَى مَنَّ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ، فَمَثَلُهُ بِالْمُرَائِي مِنَ الْمُنَافِقِينَ، الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ رِيَاءَ النَّاسِ، وَكَانَتْ قِصَّةُ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنَ الْمَثَلِ نَظِيرَةَ مَا ضُرِبَ لَهُمْ مِنَ الْمَثَلِ قَبْلَهَا، فَكَانَ إِلْحَاقُهَا بِنَظِيرِتَهَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِ تَأْوِيلِهَا عَلَى أَنَّهُ مَثَلٌ مَا لَمْ يَجْرُ لَهُ ذِكْرٌ قَبْلَهَا وَلَا مَعَهَا. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: ﴿وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ﴾ [البقرة: ٢٦٦] وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ فَعُطِفَ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٦] ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿أَيَوَدُّ﴾ [البقرة: ٢٦٦] يَصِحُّ أَنْ يُوضَعَ فِيهِ «لَوْ» مَكَانَ «أَنْ» فَلَمَّا صَلُحَتْ «بِلَوْ» وَأَنَّ وَمَعْنَاهُمَا جَمِيعًا الِاسْتِقْبَالُ، اسْتَجَازَتِ الْعَرَبُ أَنْ يَرُدُّوا «فَعَلَ» بِتَأْوِيلِ «لَوْ» عَلَى «يَفْعَلُ» مَعَ «أَنْ» فَلِذَلِكَ قَالَ: فَأَصَابَهَا، وَهُوَ فِي مَذْهَبِهِ بِمَنْزِلَةِ «لَوْ» إِذَا ضَارَعَتْ «أَنْ» فِي مَعْنَى