الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ﴾ [آل عمران: ١٣] قَالُوا: وَهُمُ الْيَهُودُ غَيْرَ أَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الْمُخَاطَبَةِ إِلَى الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَحَسُنَ أَنْ يُخَاطِبَ مَرَّةً وَيُخْبِرَ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مَرَّةً أُخْرَى، كَمَا قَالَ: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيْبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢] وَقَالُوا: فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَكَيْفَ قِيلَ: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ [آل عمران: ١٣] وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ الْمُسْلِمِينَ؟ قُلْنَا لَهُمْ: كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ وَعِنْدَهُ عَبْدٌ احْتَاجَ إِلَى مِثْلِهِ: أَنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَإِلَى مِثْلِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَحْتَاجُ إِلَى مِثْلَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ حَاجَتِهِ إِلَى مِثْلِهِ وَإِلَى مِثْلَيْ ذَلِكَ الْمِثْلِ، وَكَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: مَعِي أَلْفٌ وَأَحْتَاجُ إِلَى مِثْلَيْهِ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى ثَلَاثَةٍ؛ فَلَمَّا نَوَى أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ دَاخِلًا فِي مَعْنَى الْمِثْلِ صَارَ الْمِثْلُ أَشْرَفَ وَالِاثْنَانِ ثَلَاثَةً، قَالَ: وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ: أَرَاكُمْ مِثْلَكُمْ، كَمَا يُقَالُ: إِنَّ لَكُمْ ضِعْفَكُمْ، وَأَرَاكُمْ مِثْلَيْكُمْ، يَعْنِي أَرَاكُمْ ضِعْفَيْكُمْ، قَالُوا: فَهَذَا عَلَى مَعْنَى ثَلَاثَةِ أَمْثَالِهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ أَرَى الْفِئَةَ الْكَافِرَةَ عَدَدَ الْفِئَةِ الْمُسْلِمَةِ مِثْلَيْ عَدَدِهِمْ،