بِقِدَاحِهِمْ فَرَمَوْا بِهَا فِي نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: رَتَبَ قَدَحُ زَكَرِيَّا، فَقَامَ فَلَمْ يَجْرِ بِهِ الْمَاءُ وَجَرَى بِقِدَاحِ الْآخَرِينَ الْمَاءُ، فَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لِزَكَرِيَّا أَنَّهُ أَحَقُّ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ صَعِدَ قَدَحُ زَكَرِيَّا فِي النَّهَرِ، وَانْحَدَرَتْ قِدَاحُ الْآخَرِينَ مَعَ جِرْيَةِ الْمَاءِ وَذَهَبَتْ، فَكَانَ ذَلِكَ لَهُ عِلْمًا مِنَ اللَّهِ فِي أَنَّهُ أَوْلَى الْقَوْمِ بِهَا، وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَضَاءً مِنَ اللَّهِ بِهَا لِزَكَرِيَّا عَلَى خُصُومِهِ بِأَنَّهُ أُولَاهُمْ بِهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا ضَمَّهَا زَكَرِيَّا إِلَى نَفْسِهِ بِضَمِّ اللَّهِ إِيَّاهَا إِلَيْهِ بِقَضَائِهِ لَهُ بِهَا عَلَى خُصُومِهِ عِنْدَ تَشَاحُهِمْ فِيهَا وَاخْتِصَامِهِمْ فِي أَوْلَاهُمْ بِهَا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنًا أَنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ مَا اخْتَرْنَا مِنْ تَشْدِيدِ «كَفَّلَهَا» وَأَمَّا مَا اعْتَلَّ بِهِ الْقَارِئُونَ ذَلِكَ بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: ٤٤] وَأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ صِحَّةَ اخْتِيَارِهِمُ التَّخْفِيفَ فِي قَوْلِهِ: (وَكَفَلَهَا) فَحُجَّةٌ دَالَّةٌ عَلَى ضِعْفِ احْتِيَالِ الْمُحْتَجِّ بِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ ذُو