هَهُنَا لَا حَاجَةَ بِهَا إِلَى خَبَرٍ عَلَى مَا وَصَفْتُ؛ وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ، وَهُمْ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً﴾ [البقرة: ٢٨٢] نَصْبًا، بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ الَّتِي تَأْكُلُونَهَا بَيْنَكُمْ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ، فَيَحِلُّ لَكُمْ هُنَالِكَ أَكْلُهَا، فَتَكُونُ الْأَمْوَالُ مُضْمَرَةً فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَالتِّجَارَةُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْخَبَرِ. وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدَنَا صَوَابٌ جَائِزُ الْقِرَاءَةِ بِهِمَا، لِاسْتِفَاضَتِهِمَا فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ مَعَ تَقَارُبِ مَعَانِيهِمَا. غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ ذَلِكَ بِالنَّصْبِ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالرَّفْعِ، لِقُوَّةِ النَّصْبِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي تَكُونُ ذِكْرًا مِنَ الْأَمْوَالِ، وَالْآخَرُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ فِيهَا ذِكْرٌ مِنْهَا ثُمَّ أُفْرِدَتْ بِالتِّجَارَةِ وَهِيَ نَكِرَةٌ، كَانَ فَصِيحًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ النَّصْبُ، إِذْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى اسْمٍ وَخَبَرٍ، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ مَعَهَا إِلَّا نَكِرَةٌ وَاحِدَةٌ نَصَبُوا وَرَفَعُوا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
إِذَا كَانَ طَعْنًا بَيْنَهُمْ وَعِنَاقَا
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ إِبَانَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ تَكْذِيبِ قَوْلِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْمُنْكِرِينَ طَلَبَ الْأَقْوَاتِ بِالتِّجَارَاتِ وَالصِّنَاعَاتِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً


الصفحة التالية
Icon