ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: قَالَ ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: إِنَّ أَبْنَاءَنَا قَدْ تُوُفُّوا وَهُمْ لَنَا قُرْبَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَسَيَشْفَعُونَ وَيُزَكُّونَنَا. فَقَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] إِلَى ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ تَزْكِيَةً مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْدُو بِدِينِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ وَمَا مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ. يلْقَى الرَّجُلَ لَيْسَ يَمْلِكُ لَهُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَذَيْتَ وَذَيْتَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ -[١٢٨]- يَرْجِعَ، وَلَمْ يَحِلَّ عَنْ حَاجَتِهِ بِشَيْءٍ، وَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] الْآيَةَ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى تَزْكِيَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَهَمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَوَصْفِهِمْ إِيَّاهَا بِأَنَّهَا لَا ذُنُوبَ لَهَا وَلَا خَطَايَا، وَأَنَّهُمْ لِلَّهِ أَبْنَاءٌ وَأَحِبَّاءٌ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ لِإِخْبَارِ اللَّهِ عَنْهُمْ أَنَّهَا إِنَّمَا كَانُوا يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ دُونَ غَيْرِهَا. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: تَقْدِيمُهُمْ أَطْفَالَهُمْ لِلصَّلَاةِ، فَتَأْوِيلٌ لَا تُدْرَكُ صِحَّتُهُ إِلَّا بِخَبَرٍ حُجَّةٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءِ﴾ [النساء: ٤٩] فَإِنَّهُ تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ الْمُزَكِّينَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، الْمُبَرِّئِيهَا مِنَ الذُّنُوبِ، يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: مَا الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا ذُنُوبَ لَكُمْ وَلَا خَطَايَا، وَإِنَّكُمْ بُرَآءُ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، وَلَكِنَّكُمْ أَهْلُ فِرْيَةٍ وَكَذِبٍ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمُزَكِّي مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَاللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، فَيُطَهِّرُهُ وَيُبَرِّئُهُ مِنَ الذُّنُوبِ بِتَوْفِيقِهِ لِاجْتِنَابِ مَا يَكْرَهُهُ مِنْ مَعَاصِيهِ إِلَى مَا يَرْضَاهُ مِنْ طَاعَتِهِ. -[١٢٩]- وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النساء: ٥٠] وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بِدَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ طَهَّرَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ