حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ: «مَمْلُوكَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمَنْزِلَةِ حَرَائِرِهِمْ» ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي حُكْمِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] أَعَامٌّ أَمْ خَاصٌّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَامٌّ فِي الْعَفَائِفِ مِنْهُنَّ، لِأَنَّ الْمُحْصَنَاتِ الْعَفَائِفُ، وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلَّ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ حَرْبِيَّةً كَانَتْ أَوْ ذِمِيَّةً. وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] وَأَنَّ الْمَعْنِيَّ بِهِنَّ الْعَفَائِفُ كَائِنَةً مَنْ كَانَتْ مِنْهُنَّ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِالْمُحْصَنَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعَفَائِفُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ اللَّوَاتِي عَنَى بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] الْحَرَائِرُ مِنْهُنَّ، وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِهِنَّ، فَنِكَاحُ جَمِيعِ الْحَرَائِرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَائِزٌ، حَرْبِيَّاتٍ كُنَّ أَوْ ذِمِّيَّاتٍ، مِنْ أَيِّ أَجْنَاسِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كُنَّ وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ: أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِنِكَاحِ نِسَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَالَا: «-[١٤٦]- أَحَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ» وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: نِكَاحَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابِيَّاتِ مِنْهُنَّ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ الَّذِينَ دَانُوا بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ. وَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مَعْنِيٌّ بِهِ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ذِمَّةٌ وَعَهْدٌ، فَأَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ فَإِنَّ نِسَاءَهُمْ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ


الصفحة التالية
Icon